الأحد، 19 يونيو 2016

& حال الدولة السعودية مقارنة بغيرها من الدول الإسلامية التي ابتُليت بالاستعمار!

قال الشيخ أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - وفقه الله - واصفًا حال الدولة السعودية مقارنة بغيرها من الدول الإسلامية التي ابتُليت بالاستعمار فترة من الزمن :
( والإغارة على شرقنا الإسلامي إغارة فكرية في الدرجة الأولى ، منذ حُل نظام الخلافة الإسلامية ، وانتُهبت تركتُها ، كما أن للصهيونية والصليبية تخطيطاً منظماً مدروساً لإبقاء شرقنا الإسلامي تحت الاستعمار الفكري والسياسي والاقتصادي.. لا يمكن أن ينكر ذلك إلا من صمم بإرادة سلوكية حرة - لا بضرورة فكر- على أن يعزل نفسه عما حوله، وأهم ثمار هذا التخطيط جاء من قبل تحطيم إيجابية الفكر، وقد تجلّى ذلك في وسيلتين: 
الوسيلة الأولى: إفساد القيادات والزعامات، وتربيتها تربية علمانية.. ، وعداء أغلب الزعامات للإسلام في بلادنا العربية والإسلامية حقيقة حسية مشهودة كلما استُحدِث زعيمٌ شغل الفراغ بالشعارات الكاذبة، مع ترديد العلمانية وترسيتها في حياة الناس وفي فكرهم؛ فإذا برم الضمير بتلك الشعارات، وسئم الاعتداء على مقدساته ؛ صُفِّيت تلك الزعامة بأي تدبير من وراء الكواليس، وأحل محلها زعامة جديدة لا سابقة لها ولا خطر ، إلا أنها رُبيت تربية معادية للأمة دينياً وعسكرياً واقتصادياً.. وهي تربية من وراء الكواليس أيضاً: تعيد حمى الشعارات السابقة، وتمتص غضب الجماهير بمراوغات جديدة ، وربما افتعلت لها المؤسسات الأجنبية نصراً عسكرياً مؤقتاً ومموهاً ضماناً لبقائها ، وما بُليت الأمة في هذه العصور إلا بعمالة القيادات وخيانتها.
ويستثنى واقع التاريخ وضعاً حكومياً واحداً في جزيرة العرب : وهو الحكومة السعودية ،  ليس في أي بلد عربي قيادة تساوي أو تقارب الواقع التاريخي لهذه الحكومة، بل كانت أعرق الحكومات على الإطلاق، وقد وُجدت قبل انحلال الخلافة الإسلامية في تركيا بما يزيد على قرن ونصف ، قبل أن يتفق الذئاب من الدول العظمى على التلاعب بكراسي الحكم والاستحواذ على ربائط تُربيها يد الأجنبي.. كانت هذه الحكومة من قرية من القرى الصغرى في نجد في مجتمع أمي عامي لم تمتد أساليب العمالة الأجنبية إلى فنائه، ولم تمخضه حركات الغارة الفكرية؛ لأنها لم توجد في الساحة بعد.. قامت هذه الحكومة والخلافة الإسلامية قائمة في تركيا ليس للأمم الكافرة أي سلطان على شرقنا، ولو وُجد لها سلطان لكانت الحكومة في الجزيرة آخر من يفكر في مداهنته؛ لأن النفوس مجبولة جِبلَّة فطرية وراثية على كراهة الأجنبي.. ولاسيما إن كان عدواً لله  ، لم يصحب قيام هذه الدولة في مجتمع فقير أُميّ تأييدٌ أجنبي، ولا يد أجنبية، ولا تمثيل بين عواصم أمريكة وبريطانية وروسية وفرنسية؛ لأنه لم يقم لهذه الدول الكافرة سلطان يومئذ، ولأن خلافة تركيا المسلمة في نحورهم على الرغم من سلبياتهم الخانقة لأبناء ملتهم من العرب الذين لم تُكدِّر سلفيَّتهم البدعة والدروشة .. إنها حكومة قامت في جوها التاريخي الطبيعي داعية إلى الإسلام وتنقية المجتمع من شوائب البدعة والوثنية التي تراكمت مع أحقاب الزمن، وليس لهذه الحكومة أي موجّه فكري وافد؛ لأنه ليس في أرفف القوم  غير القرآن الكريم، وكتب الفقه، والحديث، والتوحيد، والآلة  ، بأقلام كبار السلف.. لا يعرفون ولا يحسنون أصلاً غير ذلك، وظلت رقعة هذه الحكومة بين مدٍّ وجزرٍ ؛ تمتد بدافع الحماس للعقيدة كما في عهد عبدالعزيز الأول وابنه سعود، وتنكمش بتسلط الخلافة الإسلامية في تركيا بدافع الغيرة كما في عهد الإمام عبدالله ، أو بعامل الخلاف والتشاحن بين الأسرة ذاتها كما في عهد أبناء الإمام فيصل بن تركي رحمهم الله.. وقد عادت جميع الرقعة التاريخية في عهد الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وانتظمت القيادة بالدستور نفسه ، ومنذ ذلك التاريخ لم نجد وجهاً نشتبه فيه، والتعاقب على ولاية الأمر لم يكن من اللون الذي نرى فيه تصفية زعيم، واستحياء قزم، وإنما هو نظام تاريخي اختاره ولاة الأمر أنفسهم على نظام عريق سائد منذ قامت حكومتهم، وظل يكتسب شرعيته في كل مرحلة ببيعة المسلمين وتنظيم علمائهم وإلى الآن  ، - والله المرجو أن يعصم مستقبلنا- لم يُمْلَ على شعبنا أي إيديولوجية وافدة، ولم يحصل اعتداء على حرمة الدين وحريته، واستمرت البيعة لأجله منذ عهد محمد بن سعود؛ فالكلمة للإفتاء والقضاء والدوائر الشرعية العليا، ولا تزال الدولة - ولن تزال إن شاء الله - جهة تنفيذ لدين الأمة وعقيدتها.
هذا واقع تاريخ لم أبتدعه، وإنما نبَّهت عليه؛ لأنه برهان حاسم على أن نظامنا منَّا، وإنما يُخشى علينا الاستسلام للغارة الفكرية التي سأشرحها في الوسيلة الثانية من وسائل التدمير الأجنبي .. لقد رأينا خلال التهافت على الكراسي في البلاد الأخرى أكثر من سحنة، وأكثر من وجه، وأكثر من أسلوب للخداع .. ولكن الذي بقي ولم يتغير هو العلمانية في فصل الدين عن الدولة، وتربية الناشئة على الغُربة عن دينها، وبقاء الأمة خلال كل زعامة تطرأ عاجزة عن صُنع إبرة ! 
و الوسيلة الثانية : التسلط على عقول المثقفين بأفكار من حيل ثقافية تؤمم كل إيجابية فكرية .. يظهر ذلك بربط مداخل جميع العلوم بمناهج فلسفية غربية معاصرة ، حطمت كل معايير الفكر الصحيحة الثابتة ، وهي مناهج ومذاهب متناقضة ما بين : حسبانية ، و اسمية ، و وضعية ، و وجودية .. وقممُ هذه الفلسفة المعاصرة ملاحدةٌ متسترون على يهوديتهم ، ولا يُنكر البروتوكولات الصهيونية إلا مغبون العقل .. ويظهر ذلك ظهورًا أدق ذكاء ، و أعوض تعقيدًا ، في أيديولوجية الأدب الحديث ، التي يتهافت عليها - بغريزة فطرية - معظمُ أجيال المثقفين .. )

[ "المدخل عن نظرية المعرفة"(ص 19-23 ) ].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق