& من آداب الكتب: النظر في كتاب الغير!
الأَْصْل فِي النَّظَرِ فِي كِتَابِ الْغَيْرِ حَدِيثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« منْ نظر فِي كِتابِ أخيهِ بِغيْرِ إِذْنِهِ فإِنّما ينْظُرُ فِي النّارِ »(1).
قَال ابْنُ الأَْثِيرِ :" هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ سِرٌّ وَأَمَانَةٌ يَكْرَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ، قَال: وَقِيل: هُوَ عَامٌّ فِي كُل كِتَابٍ "(2).
وقال البخاري :" باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره، وذكر كتاب حاطب بن أبي بلتعة وقصته "(3).
وَقَال الْمَرْوَزِيُّ: قُلْتُ لأَِبِي عَبْدِ اللَّهِ:" رَجُلٌ سَقَطَتْ مِنْهُ وَرَقَةٌ فِيهَا أَحَادِيثُ فَوَائِدُ فَأَخَذْتُهَا، تَرَى أَنْ أَنْسَخَهَا وَأَسْمَعَهَا؟ قَال: لاَ، إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا "(4).
قال الخلال:" كراهية النظر في كتاب الرجل إلا بإذنه، قال أبو بكر بن عسكر : كنت عند أبي عبد الله ، وعنده الهيثم بن خارجة فذهبت أنظر في كتاب أبي عبد الله، فكره أبو عبد الله أن أنظر في كتابه ، واطَّلع عبد الرحمن بن مهدي في كتاب أبي عوانة بغير أمره، فاستغفر الله مرتين "(5).
وذكر بعض الشافعية ما هو ظاهر في أن النظر في كتاب الغير من كتب العلم لا يحرم(6).
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ:" الأَْثَرُ الْوَارِدُ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ الْغَيْرِ يُخَصُّ مِنْهُ مَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا إِلَى دَفْعِ مَفْسَدَةٍ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ النَّظَرِ "(7).
وقال البغوي بعد أن خرّج حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة-رضي الله عنهما-:
" فِي الْحدِيث دليلٌ على أنّهُ يجوز النظرُ فِي كتاب الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه، وَإِن كَانَ سراً إِذا كَانَ فِيهِ ريبةٌ وضررٌ يلْحق الْغَيْر، أمَّا مَا رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، أنّ رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «منْ نظر فِي كِتابِ أخيهِ بِغيْرِ إِذْنِهِ فإِنّما ينْظُرُ فِي النّارِ» ، فهُو فِي الْكتاب الّذِي فِيهِ أَمَانَة، أوْ سر بيْن الْكَاتِب والمكتوب إِليْهِ لَا رِيبَة فِيهِ، وَلَا ضَرَر بأحدٍ من أهل الإِسْلام، فَأَما كتبُ الْعلم، فقدْ قِيل: يجوز النظرُ فِيهِ بِغَيْر إِذن صَاحبه، لِأَن الْعلم لَا يحلُّ مَنعه، وَلَا يجوز كتمانُه، وقِيل: لَا يجوز لظَاهِر الْحدِيث، وَلِأَن صَاحب الشَّيْء أولى بِمَنْفَعَة مِلكه، وَإِنَّمَا يَأْثَم بكتمان الْعلم الّذِي سُئل عَنهُ، فَأَما منع الْكتاب عنْ غَيره، فَلَا إِثْم فِيهِ "(8).
وقال شيخنا العلامة عبد المحسن العباد -حفظه الله- عند شرح حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-:
" قوله:(من نظر في كتاب أخيه بغير أذنه فإنما ينظر في النار) قيل: إن المقصود بالكتاب هو الكتاب الذي فيه سر، أو فيه أمانة، أو فيه شيء لا يحب صاحبه أن يطلع عليه، وكون الإنسان يطلع في كتاب أحد فيه أمور لا يريد أن يطلع عليها لا شك في أنه من أولى ما يمنع منه، وأما كتب العلم ونحوها فمن الآداب ومن الأخلاق الكريمة أن الإنسان لا يستعمل شيئاً إلا بإذن صاحبه، إلا إذا كان يعرف من عادة هذا الإنسان أنه يسمح بذلك، فإن هذا لا بأس به، ولكن كون الإنسان يأتي إلى كتب لشخص معين في بيته ويطلع عليها من غير إذنه فلا شك في أن هذا ليس من الأخلاق الكريمة، وليس من الآداب الحسنة "(9).
وقال مجيبا عن سؤال وجه إليه :
" السؤال: حديث: (من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار)، هل يدخل فيه النظر في كتاب الطالب حال التدريس؟
الجواب: الحديث المذكور ضعيف، وللطالب أن ينظر من كتاب زميله، ولا مانع من ذلك، وإنما المحذور أن يضايقه ويزاحمه، أما إذا طلب منه أنه ينظر أو قرب صاحب الكتاب الكتاب إليه مشعراً له في رغبته بمشاركته فهذا إذن "(10).
والله الموفق والمعين
--------------
(1) أخرجه أبو داود (2/78)رقم (1485)، وعبد بن حميد (675-المنتخب)، والطبراني في"الكبير"(10/320)رقم(10781)، والحاكم(4/270)، والقضاعي في"مسند الشهاب"(1/284)رقم(464)من حديث عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-.
وهو حديث ضعيف منكر، قال أبو داود:" رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا ". وقال أبو حاتم في"العلل"(2/351): " هذا حديث منكر". وقال ابن حجر في"الفتح" (4/148):"وسنده ضعيف". وضعفه الألباني في"السلسلة الضعيفة"(11/706)رقم(5425).
(2)"النهاية"(4/148).
(3)في "الجامع الصحيح"(11/46-مع الفتح).
(4)"الآداب الشرعية"(2/166-167).
(5) السابق.
(6) السابق.
(7)"فتح الباري"(11/46).
(8)"شرح السنة"(11/74).
(9)"شرح سنن أبي داود"(8/202-مفرغ من شرح صوتي في الشاملة).
(10)في أحد "دروس شرح سنن أبي داود"(8/342- مفرغ من شرح صوتي في الشاملة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق