من فقه
العشر الأواخر من رمضان
إن
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
كُنَّا
بالأمس القريب نستقبل رمضان بالفرح والبهجة والسرور، وها نحن اليوم نكاد نودعه، فقد
مضت الأيام حتى ذهب أكثره، وقد أحسن أنَاسٌ في الأيام الماضية فصاموا النهار
وقاموا الليل، وقرأوا القرآن، وتصدقوا وأحسنوا، وتركوا المعاصي والسيئات، فلهم
الأجر العظيم، والثواب الكبير، وعليهم المزيد في الباقي من أيام رمضان المبارك،
وقد أساء آخرون فأخلُّوا بالصيام، وتركوا القيام، وسهروا الليالي الطوال على قيل
وقال، وإضاعة المال، ومنعٍ وهات، وهجروا القرآن، وبخلوا بأموالهم، لكن الله تعالى
ذو الفضل العظيم والإحسان العميم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات لمن تاب وأناب،
وقد جعل سبحانه العشر الأواخر من رمضان فرصة لمن أحسن في أول الشهر أن يزاد، ولمن
أساء أن يستدرك ما فاته؛ ويغتنم هذه الأيام العشر في الطاعات وما يقربه من الله تعالى،
والعشر الأواخر لها خصائص وفضائل وأحكام ، ونحن في هذه العجالة نبين طرفا من فقه
العشر الأواخر من رمضان تذكرة للسامع وتنبيها للغافل، فنقول مستعينين بالله:
فمن فقه هذه العشر
المباركة إحياء الليل فيها:
فقد
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في قيامها، والأعمال الصالحة فيها
اجتهاداً عظيماً، ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت:
"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله،
وجدَّ وشدَّ المئزر".
وعنها
-رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر
الأواخر ما لا يجتهد في غيره" أخرجه مسلم.
فيحتمل
أن المراد إحياء الليل كله، وقد روي من حديث عائشة من وجه فيه ضعف بلفظ: (وأحيا
الليل كله) وفي المسند من وجه آخر عنها قالت: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر ـ
يعني الأخير ـ شمر وشد المئزر).
ويحتمل
أن يريد بإحياء الليل إحياء غالبه.
قال
الإمام الشَّافعيُّ: "أستحبُّ أن يكونَ اجتِهادُه في نهارِها كاجتهادِه في
ليلِها".
وقال
الإمام النَّوويُّ: "يُستحبُّ أن يُزاد من العبادات في العشْر الأواخر من
رمضان، وإحياء لياليه بالعبادات".
والحاصل
أن الإحياء المذكور في الأحاديث شامل لجميع أنواع العبادات: من صلاة، وقرآنٍ،
وذكرٍ، ودعاء، وصدقة، وغيرها، ومن الحرمان العظيم أن ترى كثيراً من الناس
يُضيِّعون الأوقات في الأسواق، وغيرها، ويسهرون فإذا جاء وقت القيام ناموا، وهذه
خسارة عظيمة، فعلى المسلم الصادق أن يجتهد في هذه العشر المباركة، فلعله لا يدركها
مرة أخرى باختطاف هادم اللذات، ولعله يجتهد فتصيبه نفحة من نفحات الله تعالى فيكون
سعيداً في الدنيا والآخرة.
ومن
الفقه في هذه العشر :
ما
جاء في الأحاديث السابقة أنَّ النبي -صلى
الله عليه وسلم- كان يوقظ أهله للصلاة في
ليالي العشر دون غيره من الليالي:
وجاء
في حديث أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس
وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة.
وهذا
يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في أكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر.
وعن
علي رضي الله عنه قال: "كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يوقِظ
أهلَه في العشْر الأواخر من رمضان"؛ صحيح سنن التِّرْمذي.
وفي
رواية عند الطبراني:(أن النبي -صلى الله
عليه وسلم- كان يوقظ أهله في العشر
الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة).
قال
سفيان الثوري: "أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه
وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك".
وقد
صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (أنه كان يطرق فاطمة وعليا ليلا، فيقول لهما:
ألا تقومان فتصليان، وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر)، وورد
الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه.
ومن الفقه فيها:
ما
جاء في حديث أم المؤمنين عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ - أَيْ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ
مِنْ رَمَضَانَ- شَدَّ مِئْزَرَهُ, وَأَحْيَا لَيْلَهُ, وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ"
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
واختلفوا في تفسير:( شَدَّ
مِئْزَرَهُ ):
فمنهم من
قال: "هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة، كما يقال فلان يشد وسطه
ويسعى في كذا"، وهذا فيه نظر، فإنها قالت في رواية:"جَدَّ وشَدَّ الْمِئْزَرَ"
أخرجه أحمد، فعطفت شَدَّ المئزر على جَدِّه.
والصحيح
أن المراد به اعتزاله للنساء وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون، وجزم به عبد الرزاق
عن الثوري، واستشهد بقول الشاعر:
قوم
إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... عن النساء ولو باتت بأطهار
وقد
ورد ذلك صريحا من حديث عائشة وأنس، وفي حديث أنس (وطوى فراشه واعتزل النساء) وقد
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- غالبا يعتكف العشر الأواخر.
والمعتكف
ممنوع من قربان النساء بالنص والإجماع، وقد قالت طائفة من السلف في تفسير قوله
تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم} إنه طلب ليلة القدر.
قال
الإمام ابن رجب -رحمه الله-:
"والمعنى
في ذلك: أن الله تعالى لما أباح مباشرة النساء في ليالي الصيام إلى أن يتبين الخيط
الأبيض من الخيط الأسود أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر، لئلا يشتغل المسلمون في طول
ليالي الشهر بالاستمتاع المباح فيفوتهم طلب ليلة القدر، فأمر مع ذلك بطلب ليلة
القدر بالتهجد من الليل، خصوصا في الليالي المرجو فيها ليلة القدر، فمن ههنا كان
النبي صلى الله عليه وسلم يصيب من أهله في العشرين من رمضان ثم يعتزل
نساءه، ويتفرغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر".
ومن الفقه فيها:
الاغتسال
فيها والتهئ لها خاصة الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر:
قال
ابن جرير:" كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر".
وكان
النخعي: يغتسل في العشر كل ليلة.
ومنهم
من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر، فأمر زر بن حبيش
بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان.
وروي
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيّب ولبس حلة
إزار أو رداء، فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل.
وكان
أيوب السختياني: يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين
ويستجمر، ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة، والتي تليها ليلتنا يعني
البصريين.
وقال
حماد بن سلمة: كان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيّبان،
ويطيبون المسجد بالنضوح والدخنة في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.
وقال
ثابت: كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم، وكان يلبسها في الليلة التي ترجى
فيها ليلة القدر.
قال
الإمام ابن رجب -رحمه الله-:
"فتبين
بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين والتطيب
بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد، وكذلك يشرع أخذ
الزينة بالثياب في سائر الصلوات، كما قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ
زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، وقال ابن عمر: الله أحق أن يتزين له".
ومن الفقه فيها:
الاعتكاف
فيها، وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهو ثابت بالكتاب والسنة، قال الله
تعالى: { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ }. وفي
الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده".
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل
رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً". وفي لفظ:
"كان يعرضُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه
مرتين في العام الذي قُبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشراً فاعتكف عشرين في العام
الذي قُبض فيه" أخرجه البخاري.
وذكر
ابن حجر -رحمه الله- أن المراد بالعشرين: العشر الأوسط والعشر الأخير، ويدل على
معناه حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- في صحيح مسلم.
وكان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاماً
حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين قال: "من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر
فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها... فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل
وتر" أخرجه البخاري.
وفي
حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول
من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "إني أعتكف
العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في
العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف" فاعتكف الناس معه، قال:
"وإني أُريتُها ليلة وترٍ..." متفق عليه.
وفي
الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أجدُ الناس بالخير، وكان يلقاه في كل ليلةٍ في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرضُ
عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير
من الريح المرسلة".
قال ابن بطال -رحمه الله-:
"فهذا
يدل على أن الاعتكاف من السنن المؤكدة ؛ لأنه مما واظب عليه النبى عليه السلام
فينبغى للمؤمنين الاقتداء فى ذلك بنبيهم ، وذكر ابن المنذر عن ابن شهاب أنه كان
يقول : عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف ، وإن النبى عليه السلام لم يتركه منذ دخل
المدينة كل عام فى العشر الأواخر حتى قبضه الله".
والمقصود بالاعتكاف انقطاع
الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله تعالى في مسجد جامع من مساجد الله طلباً لفضل
ثواب الاعتكاف من الله تعالى، وطلباً لإدراك ليلة القدر، وله الخروج من معتكفه
فيما لا بد منه: كقضاء الحاجة، والأكل والشرب إذا لم يُمكن ذلك في المسجد.
قال
الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
"ومقصود
الاعتكاف وروحُه عكوفُ القلبِ على الله تعالى، وجمعيَّتُه عليه، والخلوةُ به،
والانقطاعُ عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذِكره وحبه،
والإقبالُ عليه فى محل هموم القلب وخطراته، فيستولى عليه بدلَها، ويصير الهمُّ
كُلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكُر فى تحصيل مراضيه وما يُقرِّب منه،
فيصيرُ أُنسه بالله بدَلاً عن أُنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوَحشة فى
القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرحُ به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم".
ومن الفقه فيها:
تحري
ليلة القدر: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "تَحرَّوا لَيْلَةَ القَدْرِ في
العَشْرِ الأواخِر من رَمَضانَ"؛ متفقٌ عَلَيْهِ، وقال - صلَّى الله عليه
وسلَّم - أيضًا: "تَحَرَّوا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوترِ مِنَ العَشْرِ
الأوَاخِرِ مِن رَمَضانَ"؛ أخرجه البخاري.
ليلة
القدْر؛ قال - تعالى -: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا
أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ
شَهْرٍ }، وسمَّاها الله تعالى ليلة القدْر؛ وذلك لعظمِ قدْرها وجلالة مكانتها
عندَه، ولكثرة مغفرةِ الذنوب وستْر العيوب فيها، فهي ليلةُ المغفرة كما في
الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
قال:"مَنْ قامَ ليلةَ القَدْر إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ
مِنْ ذنْبِه"؛ متفقٌ عليه، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أتَاكُم
رمضانُ شهر مبارك، فرَض الله - عزَّ وجلَّ - عليكم صيامَه، تُفتح فيه أبواب
السماء، وتُغلق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغل فيه مَردَةُ الشياطين، لله فيه ليلةٌ
خيرٌ مِن ألف شهر، مَن حُرِم خيرَها فقد حُرِم" أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
وقالت
عائشةُ - رضي الله عنها - للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أرأيتَ إنْ وافقت
ليلة القدْر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهمَّ إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو
فأعفُ عنِّي"، والعفوُّ مِن أسماء الله تعالى، وهو المتجاوز عن سيِّئات
عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يُحبُّ العفو؛ فيحب أن يعفوَ عن عباده، ويحبُّ من
عباده أن يعفوَ بعضهم عن بعض؛ فإذا عفَا بعضهم عن بعضٍ عاملَهم بعفوه، وعفوه أحبُّ
إليه مِن عقوبته، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: "أعوذ برِضاك
مِن سخطك، وعفوِك مِن عقوبتك" رواه مسلم.
وقال
الإمام مالك في الموطأ: "بلغني أن ابن المسيب قال: من شهد ليلة القدر يعني في
جماعة فقد أخذ بحظه منها".
وقال الإمام الشافعي: "من
شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها".
وليلة
القدر تُطلب في أوتار العشر الأواخر من رمضان، فإن ضعُف العبدُ أو عجَزَ عن قيام
العشر كلها، فلا يُغْلَبَنَّ على السبع الأواخر؛ لما روى ابن عمر - رضي الله عنهما
- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التمِسوها في العشر الأواخر -
يعني: ليلة القدر - فإن ضعُف أحدُكم أو عجز، فلا يغلبن على السبع البواقي" أخرجه
مسلم.
فاجتهدوا
- رحمكم الله - في هذه البواقي من ليالي الشهر، أحيوها بالعبادة، وأكثروا فيها من
الصلاة والأذكار، والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، كما كان نبيُّكم - صلى الله
عليه وسلم - يفعل.
فحريٌّ
بمَنِ التمسها فيه ألاَّ يخيب، وأن يظفر بمرغوبه ومطلوبه، وذلك فضل الله يؤتيه
مَنْ يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
ومن الفقه فيها
أيضاً:
الحرص
على الإكثار من الدعاء وطلب رحمته وعفوه ومغفرته، فلا ملجأ وملا منجى منه إلا
إليه، فمن لم يتب في رمضان فمتى يتوب؟ ومن لم يرجع إلى ربه ويئوب فمتى يرجع؟ ومن
كثرت ذنوبه فمن يغفرها له سوى الله، ومن أراد النجاة من النار، والفوز بالجنان متى
يطلب ذلك من الله سوى في هذه الأيام، فالبدار البدار قبل انقضاء الآجال، وتصرم
الليالي والأيام، فنتحسر على التفريط في جنب الله، قال تعالى:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ
يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ }.
فينبغي
أن نعقد العزم في هذه الأيام والليالي المباركات لاستدراك ما فات، ولنستعد لها
بأفضل القربات، ولنملئها بأنواع الطاعات، لنفوز بجنة عرضها الأرض والسماوات،
وليكُن همنا في هذه العشر الأخيرة من هذا الشهر المبارَك أن نُرِيَ الله منا
خيرًا، فالمحرومُ مَن حُرِم خيرها وبركتها، جعَلَنا الله ممَّن ينالون ثوابَها
وأجرها.
اللهم
وفِّقنا لاغتنام الخيرات، وضاعِف لنا الدرجات.
والله الموفق والمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق