السبت، 18 يونيو 2016

رمضان والعتق من النار
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده...وبعد:

لقد مضى الشهر الكريم وانصرمت أيامه فهلا سألنا أنفسنا : هل مازلنا على ما نحن عليه من النشاط والاجتهاد في العبادة في أول الشهر ؟!
ينبغي للمسلم أن يتذكر أن رمضان الخير فرصة ثمينة لاتعوض ، فيجدد العزم ويقبل على الطاعة ، ويبادر إلى فعل الخيرات ، ويسابق إلى اغتنام الأجور المضاعفة في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم، فهو شهر العتق من النيران، والفوز بالرحمة والجنان.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ » أخرجه الترمذي رقم(682)، وصححه الألباني.
العتق من النار يعني النجاة من النار والفوز بالجنة، قال الله تعالى: { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }[آل عمران:185] .
قال ابن رجب في"لطائف المعارف"(ص212):
"يفاض على المتقين في أول الشهر خلع الرحمة والرضوان ويعامل أهل الإحسان بالفضل والإحسان، وأما أوسط الشهر فالأغلب عليه المغفرة فيغفر فيه للصائمين وإن ارتكبوا بعض الذنوب الصغائر فلا يمنعهم من المغفرة كما قال الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6]، وأما آخر الشهر فيعتق من النار من أوبقته الأوزار واستوجب النار بالذنوب الكبار ".
والناظر في الأحاديث التي بينت أسباب العتق من النار يجد أن تلك الأسباب عديدة، وحسبي أن أذكر هاهنا ما له علاقة وطيدة برمضان :
فمن هذه الأسباب الإخلاص سبب للعتق من النار :
ولا ريب أن الإخلاص أساس في جميع العبادات، والمتدبر لأحاديث فضل الصيام والقيام في رمضان يلحظ هذا الملمح المهم :" من صام رمضان إيماناً واحتساباً "، "من قام رمضان إيماناً واحتساباً "، " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً " أَيْ: يُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ شَرَعَهُ، وَيَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابَهُ، وهذا له دلالته الواضحة على أن الإخلاص في العمل يقود إلى :" غفر له ماتقدم من ذنبه ".
ولا ريب أن احتساب الأجر له أثر عظيم على إحسان العمل؛ لأنك إذا علمتَ أنك كما تدين تُدان، وكما تعمل تُجازى، وأن الجزاء على قدر العمل؛ فسوف تحسن العمل، أليس كذلك؟! أما إذا شعرت بأنك إذا أديت العمل برئت ذمتك فقط، وأنك لن تعاقب على تركه، فعملك ناقص.
ومن الأسباب المهمة -كذلك- في العتق من النار ماجاء في حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حين قال :" مَا يَسْأَلُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ اللهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثًا، إِلَّا قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللهُمَّ أَدْخِلْهُ. وَلَا اسْتَجَارَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ اللهَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثًا، إِلَّا قَالَتِ النَّارُ: اللهُمَّ أَجِرْهُ " أخرجه أحمد رقم(12439)بإسناد صحيح .
إنه الدعاء ، إنه التضرع إلى الله ، إنه الإلتجاء إلى الله ، إنه الوقوف بين يدي الله ، وتعجب حينما يأتي الله سبحانه بتعالى بآية تتحدث عن الدعاء في معرض حديثه عن آيات الصيام ، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }[البقرة:186]، ولهذا قال الامام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :" وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء ، متخللة بين أحكام الصيام ، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة ، بل وعند كل فطر ".
فعن عبد الله بن أبي مليكة يقول : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- يقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: « إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد »، قال ابن أبي مليكة : ( سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي )أخرجه ابن ماجه رقم (1753)، وحسَّنه الحافظ في "تخريج الأذكار" (4/342).
فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة وهي ما منَّ الله به عليه من إدراك شهر رمضان فيسارع إلى الطاعات، ويحذر السيئات ويجتهد في أداء ما افترض الله عليه، اللَّهُمَّ احفظْ صيامَنا واجعلْه شافعاً لَنَا، واعتق رقابنا فيه من النار، واغِفْر لَنَا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلَّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق