الأحد، 26 يونيو 2016

مسائل وأحكام في زكاة الفطر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فهذه بعض المسائل المهمة في زكاة الفطر، سائلا الله تعالى أن ينفع الجميع بها، وأن يتقبل منهم زكاتهم، وسائر أعمالهم.

أولاً- تسميتها:
سميت بذلك لأنَّ وُجوبها بدُخول الفطر، ويُقال أيضًا: زكاة الفطرة بكسر الفاء، والتاء في آخِرها، كأنها من الفطرة التي هي الخلقة المرادة بقوله - تعالى -: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [الروم: 30]، وقال ابن الرفعة: بضم الفاء، واستُغرِب، والمعنى: أنها وجَبتْ على الخلقة تزكيةً للنفس وتنميةً لعملها.
 قال النووي في "المجموع": "يُقال للمخرج: فطرة بكسر الفاء لا غير، وهي لفظة مُولَّدة لا عربية ولا مُعرَّبة، بل اصطلاحيَّة للفقهاء، فتكون حقيقة شرعيَّة على المختار كالصلاة والزكاة" ["المجموع"(6/103)].
وتعقبه العيني فقال:"وَلَو قيل: لَفْظَة إسلامية كَانَ أولى لِأَنَّهَا مَا عرفت إلاَّ فِي الْإِسْلَام، وَيُؤَيّد هَذَا مَا ذكره ابْن الْعَرَبِيّ: هُوَ اسْمهَا على لِسَان صَاحب الشَّرْع، وَيُقَال لَهَا: صَدَقَة الْفطر وَزَكَاة الْفطر وَزَكَاة رَمَضَان وَزَكَاة الصَّوْم، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، صَدَقَة الصَّوْم، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (صَدَقَة رَمَضَان) ، وَتسَمى أَيْضا صَدَقَة الرؤوس وَزَكَاة الْأَبدَان سَمَّاهَا الإِمَام مَالك، رَحمَه الله تَعَالَى"["عمدة القاري"(9/107)].
أما تعريفها في الاصطلاح: فهي صدقة تجب بالفطر من رمضان، طهرة للصائم: من اللغو، والرفث["منتهى الإرادات"(1/ 496)، "حاشية الروض المربع" لابن قاسم(3/ 269)].

ثانياً- حكمها وعلى من تجب؟:

فرضت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة - أي مع رمضان -.
وهي واجبة على كل مسلم كبير وصغير، وذكر وأنثى، وحر وعبد، وقد دلّ على مشروعيتها عموم القرآن، وصريح السنة الصحيحة، وإجماع المسلمين، قال تعالى:  {قد أفلح من تزكى}[الأعلى:14] أي: فاز كل الفوز، وظفر كل الظفر من زكى نفسه بالصدقة، فنماها وطهرها.
قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } [الأعلى:14، 15] قال: هي صدقة الفطر.
وهكذا قال غير واحد من السلف - رحمهم الله تعالى - في الآية هي زكاة الفطر.
وروي ذلك مرفوعاً إلى النبي  عند ابن خزيمة وغيره. وقال مالك - رحمه الله - هي يعني زكاة الفطر - داخلة في عموم قوله تعالى: { وآتوا الزكاة }. وأخرج البخاريُّ(1503)، ومسلمٌ(٩٨٤، ٩٨٦)عن ابن عمر - رضِي الله عنهما - قال: "فرَض رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زكاةَ الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذَّكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمَر بها أنْ تُؤدَّى قبل خُروج الناس إلى الصلاة".
 وأخرج البخاريُّ(1506) ومسلمٌ(985) عن عياض بن عبدالله بن سعد بن أبي سرح، أنَّه سمع أبا سعيدٍ الخدري، يقول: "كنَّا نخرج زكاةَ الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب".
 وفي رواية في "صحيح مسلم" عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: "كنَّا نُخرِج إذ كان فينا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زكاةَ الفطر عن كلِّ صغير وكبير، حر أو مملوك، صاعًا من طعام، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، فلم نزل نُخرِجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًّا أو معتمرًا، فكلَّم الناس على المنبر، فكان فيما كلَّم به الناس أنْ قال: "إنِّي أرى أنَّ مدين من سمراء الشام، تعدل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك"، قال أبو سعيد: "فأمَّا أنا فلا أزالُ أخرجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت".
 وأخرج أبوداود(1609)، وابن ماجه(1827)بإسناد حسن عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: "فرَض رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زكاةَ الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرَّفث، وطُعمةً للمساكين، مَن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات".
وأجمع عليها المسلمون قديماً وحديثاً، وكان أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها.
قال ابن المنذر:"أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العلم، على أنَّ صدقة الفطر فرضٌ"["الإجماع"(ص 55)].
 وقال إسحاق:"هو كالإجماع من أهل العلم".
ويستحبُّ إخراجُها عن الجنين إذا نُفِخَتْ فيه الرُّوح، وهو ما صار له أربعةُ أشهر؛ فقد كان السلف يُخرِجونها عنه، كما ثبت عن عثمان وغيره.
 ويجبُ أنْ يُخرِجها عن نفسه وعمَّن تلزمه نفقته، من زوجةٍ أو قريبٍ، وكذا العبد فإنَّ صدقةَ الفطر تجبُ على سيِّده؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس في العبد صدقةٌ إلا صدقة الفطر)).
 ولا تجبُ إلا على مَنْ فضل عن قُوتِه وقُوت مَن تلزَمه نفقته وحَوائِجه الضَّروريَّة في يوم العيد وليلته ما يُؤدِّي به الفطرة.
 فزكاة الفطر لا تجبُ إلا بشرطين:
1- الإسلام، فلا تجب على الكافر.
2- وجود ما يفضل عن قوته وقوت عِياله، وحوائجه الأصليَّة في يوم العيد وليلته.

ثالثاً- حكمة تشريعها:

من الحِكَمِ في وجوب زكاة الفطر ما يأتي:
1- تطهير الصائم ممَّا عسى أنْ يكون قد وقَع فيه في صيامه من اللغو والرفث.
أخرج أبو داود وابن ماجه عن ابن عبَّاس، قال: "فرَض رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زكاةَ الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرَّفث".
قال وكيع بن الجرَّاح: "زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة".
2- إغناء الفقراء والمساكين عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم؛ ليكون العيد يوم فرح وسُرور لجميع فِئات المجتمع؛ وذلك لحديث ابن عباس - رضِي الله عنهما -: "أغنوهم عن الطَّواف في هذا اليوم"؛ أي: أغنوا الفقراء عن السؤال في يوم العيد.
ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث: (وطُعمةً للمساكين).
3- وفيها إظهارُ شُكرِ نعمة الله على العبْد بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعْل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك.

رابعاً- وقت إخراج زكاة الفطر:

إخراج زكاة الفطر على النحو الآتي:
1- وقت الجواز: فيجوز تقديم زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ لحديث  ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-أنه كان يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» أخرجه البخاري(1511)، وأخرج مالكٌ(1/285) عن نافعٍ: «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ».
قال الألباني في "إرواء الغليل"(3/335): «ويُؤيِّدُ ذلك ما وَقَعَ في روايةِ ابنِ خُزَيْمةَ(٢٣٩٧) مِنْ طريق عبد الوارث عن أيُّوب: قلتُ: «متى كان ابنُ عمر يُعطي؟» قال: «إذا قَعَدَ العاملُ»، قلت: «متى يقعد العاملُ؟» قال: «قبل الفطر بيومٍ أو يومين».
2- وقت الوجوب: هو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ فإنها تجب بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، فمن تزوج، أو ملك عبداً، أو وُلِد له ولد، أو أسلم قبل غروب الشمس، فعليه الفطرة، وإن كان ذلك بعد الغروب لم تلزمه، ومن مات بعد غروب الشمس ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر.
3- وقت استحباب وهو: إخراجها يوم الفطر قبل صلاة العيد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وكما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات).
4- لا يجوز تأخيرها بعد صلاة العيد على القول الصحيح، فمن أخَّرها بعد الصلاة بدون عذر، فعليه التوبة، وعليه أن يخرجها على الفور، وقال الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله-: "الواجب... إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد"["مجموع الفتاوى"(14/201)].
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين، -رحمه الله-، في تعمد إخراجها بعد صلاة العيد: "والصحيح أن إخراجها في هذا الوقت محرم، وأنها لا تجزئ "["الشرح الممتع"(6/173)].

خامساً- مقدار الواجب، ومِمَّ يخرج؟:

الواجب في زكاة الفطر صاعٌ من غالب قُوت أهل البلد من بر، أو شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أَقط، أو أرز، أو ذرة... أو غير ذلك؛ لثبوت ذلك عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الأحاديث الصحيحة؛ كحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - المتقدِّم.
وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ -رضي الله عنه- أنه قال: «كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: «إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»؛ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ» أخرجه البخاري (١٥٠٨)، ومسلم (٩٨٥) واللفظ له.
أمَّا إخراجُ زكاةِ الفطر بالقيمة فقَدْ مَنَعَ مِنْ ذلك الجمهورُ [المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ].
قال الإمام أحمد-رحمه الله-: لا يعطي القيمة. قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبدالعزيز كان يأخذ القيمة؟ قال: يدعون قول رسول الله ويقولون: قال فلان. وقد قال ابن عمر: "فرض رسول الله  زكاة الفطر ".
وقال ابن قدامة -رحمه الله-: (ولا تجزئ القيمة؛ لأنه عدول عن المنصوص)[«المُغْنيَ»(٣/ ٦٥)].
 وقال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «ولم يُجِزْ عامَّةُ الفُقَهاءِ إخراجَ القيمةِ وأجازَهُ أبو حنيفة»[«شرح مسلم» للنووي (٧/ ٦٠)، وينظر: «المجموع» للنووي (٦/ ١٤٤)].
وقال ابن باز -رحمه الله-: (ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم، وهو أصح دليلاً، بل الواجب إخراجها من الطعام، كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- ).
 والصاع والصواع (بالكسر وبالضم) لغةً: مكيال يُكال به، وهو أربعة أمداد.
والمراد به: صاع النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وهو أربعة أمداد. والمد: ملء كفيّ الرجل المتوسط اليدين من البرّ الجيد ونحوه من الحب، وهو كيلوان ونصف على وجه التقريب، ويختلف تقدير الصاع بالكيلو جرام بحسب الطعام المُخرج، ومن أخرَج عن الواحد كيلوين ونِصف إلى ثلاثة كيلو جرامات تقريبًا من الأرز أو غيره، فقد أخرَج المِقدار الواجب بيقين.

سادساً- في مَصْرِف زكاة الفطر:

اختلف الفُقَهاءُ في مَصْرِف زكاة الفطر على قولين:
أحَدُهما: أنَّ مَصْرِفَ زكاةِ الفطر هو مَصْرِفُ زكاةِ المال الثمانية؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ﴾ [التوبة: ٦٠]، وهذا هو مذهبُ جمهورِ العُلَماء مِنَ الحنفية والشافعية، والمشهورُ عن الحنابلة.
والثاني: أنَّ زكاةَ الفطرِ خاصَّةٌ بالفُقَراءِ والمساكينِ ولا تُصْرَفُ إلَّا إليهم، وهو مذهبُ المالكيةِ والحنابلةِ على قولٍ، واختارَهُ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ[ ينظر:  «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٢)، «المغنيَ» لابن قدامة (٣/ ٧٨)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٤٤، ١٨٦)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(25/73)].
قال ابن القيم -رحمه الله-:"وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا: إنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة، وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية"["زاد المعاد"(2/21)].
ومن الخطأ دفعها لغير الفقراء و المساكين ، كما جرت به عادة بعض الناس من إعطاء الزكاة للأقارب أو الجيران أو على سبيل التبادل بينهم و إن كانوا لا يستحقونها ، أو دفعها لأسر معينة كل سنة دون نظر في حال تلك الأسر ؛ هل هي من أهل الزكاة أو لا ؟ .
ويجوز أن يعطي الجماعة أو أهل البيت زكاتهم لمسكين واحد وأن تقسم صدقة الواحد على أكثر من مسكين للحاجة الشديدة.
ولكن ينبغي أن تسلم لنفس المسكين أو لوكيله المفوض في استلامها من قبله.
 وزكاة الفطر الأفضل أن تخرج في البلد الذي فيه الإنسان، إلا لحاجة أو مصلحة راجحة فيجوز حينئذ إخراجها في غيره، ويجوز دفع الزكاة لجمعيات البر المصرح بها من الدولة، وعندها إذن منها وهي نائبة عن الدولة، والدولة نائبة عن الفقراء، وعلى هذا إذا وصلتهم الفطرة في وقتها أجزأت، ولو لم تصرف للفقراء إلا بعد العيد؛ لأنهم قد يرون المصلحة تأخير صرفها[ينظر: "الشرح الممتع"(6/175و208)].

 وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
من فقه العشر الأواخر من رمضان

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
كُنَّا بالأمس القريب نستقبل رمضان بالفرح والبهجة والسرور، وها نحن اليوم نكاد نودعه، فقد مضت الأيام حتى ذهب أكثره، وقد أحسن أنَاسٌ في الأيام الماضية فصاموا النهار وقاموا الليل، وقرأوا القرآن، وتصدقوا وأحسنوا، وتركوا المعاصي والسيئات، فلهم الأجر العظيم، والثواب الكبير، وعليهم المزيد في الباقي من أيام رمضان المبارك، وقد أساء آخرون فأخلُّوا بالصيام، وتركوا القيام، وسهروا الليالي الطوال على قيل وقال، وإضاعة المال، ومنعٍ وهات، وهجروا القرآن، وبخلوا بأموالهم، لكن الله تعالى ذو الفضل العظيم والإحسان العميم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات لمن تاب وأناب، وقد جعل سبحانه العشر الأواخر من رمضان فرصة لمن أحسن في أول الشهر أن يزاد، ولمن أساء أن يستدرك ما فاته؛ ويغتنم هذه الأيام العشر في الطاعات وما يقربه من الله تعالى، والعشر الأواخر لها خصائص وفضائل وأحكام ، ونحن في هذه العجالة نبين طرفا من فقه العشر الأواخر من رمضان تذكرة للسامع وتنبيها للغافل، فنقول مستعينين بالله:
فمن فقه هذه العشر المباركة إحياء الليل فيها:
فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في قيامها، والأعمال الصالحة فيها اجتهاداً عظيماً، ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر".
وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره" أخرجه مسلم.
فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله، وقد روي من حديث عائشة من وجه فيه ضعف بلفظ: (وأحيا الليل كله) وفي المسند من وجه آخر عنها قالت: (كان النبي  -صلى الله عليه وسلم-  يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر ـ يعني الأخير ـ شمر وشد المئزر).
ويحتمل أن يريد بإحياء الليل إحياء غالبه.
قال الإمام الشَّافعيُّ: "أستحبُّ أن يكونَ اجتِهادُه في نهارِها كاجتهادِه في ليلِها".
وقال الإمام النَّوويُّ: "يُستحبُّ أن يُزاد من العبادات في العشْر الأواخر من رمضان، وإحياء لياليه بالعبادات".
والحاصل أن الإحياء المذكور في الأحاديث شامل لجميع أنواع العبادات: من صلاة، وقرآنٍ، وذكرٍ، ودعاء، وصدقة، وغيرها، ومن الحرمان العظيم أن ترى كثيراً من الناس يُضيِّعون الأوقات في الأسواق، وغيرها، ويسهرون فإذا جاء وقت القيام ناموا، وهذه خسارة عظيمة، فعلى المسلم الصادق أن يجتهد في هذه العشر المباركة، فلعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هادم اللذات، ولعله يجتهد فتصيبه نفحة من نفحات الله تعالى فيكون سعيداً في الدنيا والآخرة.
ومن الفقه في هذه العشر :
ما جاء في الأحاديث السابقة أنَّ النبي  -صلى الله عليه وسلم-  كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي:
وجاء في حديث أبي ذر أن النبي  -صلى الله عليه وسلم-  لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة.
وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في أكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر.
وعن علي رضي الله عنه قال: "كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يوقِظ أهلَه في العشْر الأواخر من رمضان"؛ صحيح سنن التِّرْمذي.
وفي رواية عند الطبراني:(أن النبي  -صلى الله عليه وسلم-  كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة).
قال سفيان الثوري: "أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك".
وقد صح عن النبي  -صلى الله عليه وسلم-  (أنه كان يطرق فاطمة وعليا ليلا، فيقول لهما: ألا تقومان فتصليان، وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر)، وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه.
ومن الفقه فيها:
ما جاء في حديث أم المؤمنين عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ - أَيْ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ- شَدَّ مِئْزَرَهُ, وَأَحْيَا لَيْلَهُ, وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
 واختلفوا في تفسير:( شَدَّ مِئْزَرَهُ ):
  فمنهم من قال: "هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة، كما يقال فلان يشد وسطه ويسعى في كذا"، وهذا فيه نظر، فإنها قالت في رواية:"جَدَّ وشَدَّ الْمِئْزَرَ" أخرجه أحمد، فعطفت شَدَّ المئزر على جَدِّه.
والصحيح أن المراد به اعتزاله للنساء وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون، وجزم به عبد الرزاق عن الثوري، واستشهد بقول الشاعر:
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... عن النساء ولو باتت بأطهار
وقد ورد ذلك صريحا من حديث عائشة وأنس، وفي حديث أنس (وطوى فراشه واعتزل النساء) وقد كان النبي  -صلى الله عليه وسلم-  غالبا يعتكف العشر الأواخر.
والمعتكف ممنوع من قربان النساء بالنص والإجماع، وقد قالت طائفة من السلف في تفسير قوله تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم} إنه طلب ليلة القدر.
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-:
"والمعنى في ذلك: أن الله تعالى لما أباح مباشرة النساء في ليالي الصيام إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر، لئلا يشتغل المسلمون في طول ليالي الشهر بالاستمتاع المباح فيفوتهم طلب ليلة القدر، فأمر مع ذلك بطلب ليلة القدر بالتهجد من الليل، خصوصا في الليالي المرجو فيها ليلة القدر، فمن ههنا كان النبي  صلى الله عليه وسلم  يصيب من أهله في العشرين من رمضان ثم يعتزل نساءه، ويتفرغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر".
ومن الفقه فيها:
الاغتسال فيها والتهئ لها خاصة الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر:
قال ابن جرير:" كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر".
وكان النخعي: يغتسل في العشر كل ليلة.
ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر، فأمر زر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان.
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيّب ولبس حلة إزار أو رداء، فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل.
وكان أيوب السختياني: يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين ويستجمر، ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة، والتي تليها ليلتنا يعني البصريين.
وقال حماد بن سلمة: كان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيّبان، ويطيبون المسجد بالنضوح والدخنة في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.
وقال ثابت: كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم، وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-:
"فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد، وكذلك يشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات، كما قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، وقال ابن عمر: الله أحق أن يتزين له".
ومن الفقه فيها:
الاعتكاف فيها، وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهو ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ }. وفي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً". وفي لفظ: "كان يعرضُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشراً فاعتكف عشرين في العام الذي قُبض فيه" أخرجه البخاري.
وذكر ابن حجر -رحمه الله- أن المراد بالعشرين: العشر الأوسط والعشر الأخير، ويدل على معناه حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- في صحيح مسلم.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين قال: "من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها... فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر" أخرجه البخاري.
وفي حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "إني أعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف" فاعتكف الناس معه، قال: "وإني أُريتُها ليلة وترٍ..." متفق عليه.
وفي الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجدُ الناس بالخير، وكان يلقاه في كل ليلةٍ في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرضُ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة".
قال ابن بطال -رحمه الله-:
"فهذا يدل على أن الاعتكاف من السنن المؤكدة ؛ لأنه مما واظب عليه النبى عليه السلام فينبغى للمؤمنين الاقتداء فى ذلك بنبيهم ، وذكر ابن المنذر عن ابن شهاب أنه كان يقول : عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف ، وإن النبى عليه السلام لم يتركه منذ دخل المدينة كل عام فى العشر الأواخر حتى قبضه الله".
والمقصود بالاعتكاف انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله تعالى في مسجد جامع من مساجد الله طلباً لفضل ثواب الاعتكاف من الله تعالى، وطلباً لإدراك ليلة القدر، وله الخروج من معتكفه فيما لا بد منه: كقضاء الحاجة، والأكل والشرب إذا لم يُمكن ذلك في المسجد.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
"ومقصود الاعتكاف وروحُه عكوفُ القلبِ على الله تعالى، وجمعيَّتُه عليه، والخلوةُ به، والانقطاعُ عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذِكره وحبه، والإقبالُ عليه فى محل هموم القلب وخطراته، فيستولى عليه بدلَها، ويصير الهمُّ كُلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكُر فى تحصيل مراضيه وما يُقرِّب منه، فيصيرُ أُنسه بالله بدَلاً عن أُنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوَحشة فى القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرحُ به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم".
ومن الفقه فيها:
تحري ليلة القدر: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "تَحرَّوا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخِر من رَمَضانَ"؛ متفقٌ عَلَيْهِ، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - أيضًا: "تَحَرَّوا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوترِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضانَ"؛ أخرجه البخاري.
ليلة القدْر؛ قال - تعالى -: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }، وسمَّاها الله تعالى ليلة القدْر؛ وذلك لعظمِ قدْرها وجلالة مكانتها عندَه، ولكثرة مغفرةِ الذنوب وستْر العيوب فيها، فهي ليلةُ المغفرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:"مَنْ قامَ ليلةَ القَدْر إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِنْ ذنْبِه"؛ متفقٌ عليه، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أتَاكُم رمضانُ شهر مبارك، فرَض الله - عزَّ وجلَّ - عليكم صيامَه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغل فيه مَردَةُ الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ مِن ألف شهر، مَن حُرِم خيرَها فقد حُرِم"  أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
وقالت عائشةُ - رضي الله عنها - للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أرأيتَ إنْ وافقت ليلة القدْر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهمَّ إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو فأعفُ عنِّي"، والعفوُّ مِن أسماء الله تعالى، وهو المتجاوز عن سيِّئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يُحبُّ العفو؛ فيحب أن يعفوَ عن عباده، ويحبُّ من عباده أن يعفوَ بعضهم عن بعض؛ فإذا عفَا بعضهم عن بعضٍ عاملَهم بعفوه، وعفوه أحبُّ إليه مِن عقوبته، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: "أعوذ برِضاك مِن سخطك، وعفوِك مِن عقوبتك" رواه مسلم.
وقال الإمام مالك في الموطأ: "بلغني أن ابن المسيب قال: من شهد ليلة القدر يعني في جماعة فقد أخذ بحظه منها".
وقال الإمام الشافعي: "من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها".
وليلة القدر تُطلب في أوتار العشر الأواخر من رمضان، فإن ضعُف العبدُ أو عجَزَ عن قيام العشر كلها، فلا يُغْلَبَنَّ على السبع الأواخر؛ لما روى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التمِسوها في العشر الأواخر - يعني: ليلة القدر - فإن ضعُف أحدُكم أو عجز، فلا يغلبن على السبع البواقي" أخرجه مسلم.
فاجتهدوا - رحمكم الله - في هذه البواقي من ليالي الشهر، أحيوها بالعبادة، وأكثروا فيها من الصلاة والأذكار، والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، كما كان نبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - يفعل.
فحريٌّ بمَنِ التمسها فيه ألاَّ يخيب، وأن يظفر بمرغوبه ومطلوبه، وذلك فضل الله يؤتيه مَنْ يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
ومن الفقه فيها أيضاً:
الحرص على الإكثار من الدعاء وطلب رحمته وعفوه ومغفرته، فلا ملجأ وملا منجى منه إلا إليه، فمن لم يتب في رمضان فمتى يتوب؟ ومن لم يرجع إلى ربه ويئوب فمتى يرجع؟ ومن كثرت ذنوبه فمن يغفرها له سوى الله، ومن أراد النجاة من النار، والفوز بالجنان متى يطلب ذلك من الله سوى في هذه الأيام، فالبدار البدار قبل انقضاء الآجال، وتصرم الليالي والأيام، فنتحسر على التفريط في جنب الله، قال تعالى:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ }.

فينبغي أن نعقد العزم في هذه الأيام والليالي المباركات لاستدراك ما فات، ولنستعد لها بأفضل القربات، ولنملئها بأنواع الطاعات، لنفوز بجنة عرضها الأرض والسماوات، وليكُن همنا في هذه العشر الأخيرة من هذا الشهر المبارَك أن نُرِيَ الله منا خيرًا، فالمحرومُ مَن حُرِم خيرها وبركتها، جعَلَنا الله ممَّن ينالون ثوابَها وأجرها.

اللهم وفِّقنا لاغتنام الخيرات، وضاعِف لنا الدرجات.

 والله الموفق والمعين.

السبت، 25 يونيو 2016

مسائل وأحكام في ليلة القدر

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...وبعد:

أولًا- سبب تسميتها:
قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر:1، 2]، وقال عز وجل: {ِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان:3]، وهذه الليلة، هي في شهر رمضان المبارك ليست في غيره، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: من الآية185].
ومعنى (القدر) التعظيم، أي أنها ليلة ذات قدر، لهذه الخصائص التي اختصت بها، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر. وقيل: القدر التضييق، ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها، وقال الخليل بن أحمد: إنما سميت ليلة القدر، لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة، من (القدر) وهو التضييق، قال تعالى: {وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه} [الفجر :16]، أي ضيق عليه رزقه.
وقيل: القدر بمعنى القدَر - بفتح الدال - وذلك أنه يُقدّر فيها أحكام السنة كما قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} . ولأن المقادير تقدر وتكتب فيها.
فسماها الله تعالى ليلة القدر وذلك لعظم قدرها وجلالة مكانتها عند الله ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب فيها فهي ليلة المغفرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [أخرجه البخاري (1910) ، ومسلم (760)].
قال النووي:" قال العلماء: وسميت ليلة القدر لما يكتب فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة كقوله تعالى:(فيها يفرق كل أمر حكيم)، وقوله تعالى:(تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له، وقيل: سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها، وأجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر للأحاديث الصحيحة المشهورة"["شرح صحيح مسلم"(8/57)].

ثانياً- خص الله تعالى هذه الليلة بخصائص:
1- منها أنه نزل فيها القرآن، كما تقدّم، قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ["تفسير ابن كثير" 4/529].
2- وصْفها بأنها خير من ألف شهر في قوله: (ليلة القدر خير من ألف شهر) [القدر:3].
وألف شهر تساوي ثلاثًا و ثمانين سنة وأربعة أشهر؛ أي أن هذه الليلة الواحدة أفضل من عمر طويل يعيشه إنسان عمره ما يقارب مائة سنة، إذا أضفنا إليه سنوات ما قبل البلوغ والتكليف.
3- ووصفها بأنها مباركة في قوله: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) [الدخان : 3].
4- أنها تنزل فيها الملائكة، والروح، " أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَق الذِّكْر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيماً له " [ينظر: "تفسير ابن كثير" 4/531]، والروح هو جبريل عليه السلام وقد خصَّه بالذكر لشرفه.
5- ووصفها بأنها سلام، أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى، وتكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب بما يقوم العبد من طاعة الله عز وجل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن الشمس تطلع كل يوم بين قرني الشيطان إلا صبيحة ليلة القدر".
 وفى رواية عند الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ".
 وفى رواية ابن حبان عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها".
 ولذلك قال رب العالمين فيها: ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ﴾ [القدر: 5].
 فهي ليله كلها خير وسلام، سالمة من الشيطان وأذاه.
 قال الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما-:"في تلك الليلة تُصفَّد مردة الجن، وتُغلُّ عفريت الجن".
 وقال مجاهد: "هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء ولا يحدث فيها أذى".
 وقال أيضًا: "لا يُرسَل فيها شيطان ولا يحدث فيها داء".
 ويروى عن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال:
"لا يستطيع الشيطان أن يصيب فيها أحدًا، أو داء، أو ضرب فساد، ولا ينفذ فيها سحر ساحر". [ ينظر: "تفسير ابن كثير" (4/531)].
6- (فيها يفرق كل أمر حكيم) الدخان /4، أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها، كل أمر محكم لا يبدل ولا يغير انظر تفسير ابن كثير 4/137،138 وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وكتابته له، ولكن يُظهر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو وظيفتهم " شرح صحيح مسلم للنووي 8/57.
7- أن الله تعالى يغفر لمن قامها إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. وقوله: (إيماناً واحتساباً) أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه وطلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه. ["فتح الباري" 4/251].
وقد أنزل الله تعالى في شأنها سورة تتلى إلى يوم القيامة، وذكر فيها شرف هذه الليلة وعظَّم قدرها، وهي قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر) سورة القدر.
فقوله تعالى: (وما أدراك ما ليلة القدر) تنويهاً بشأنها، وإظهاراً لعظمتها. (ليلة القدر خير من ألف شهر) أي: أي إحْياؤها بالعبادة فيها خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة، وهذا فضل عظيم لا يقدره قدره إلا رب العالمين تبارك وتعالى، وفي هذا ترغيب للمسلم وحث له على قيامها وابتغاء وجه الله بذلك، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس هذه الليلة ويتحراها مسابقة منه إلى الخير، وهو القدوة للأمة، فقد تحرّى ليلة القدر.

ثالثاً- وقت ليلة القدر:
ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، فيستحب تحريها والتماسها في العشر الأواخر منه خاصة.
أخرج مسلم (1167) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ ( والقبة : الخيمة وكلّ بنيان مدوّر ) عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ قَالَ فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ فَقَالَ إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ قَالَ وَإِنِّي أُرْيْتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ وَإِنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِي طِينٍ وَمَاءٍ فَأَصْبَحَ مِنْ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ قَامَ إِلَى الصُّبْحِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فَأَبْصَرْتُ الطِّينَ وَالْمَاءَ فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطِّينُ وَالْمَاءُ وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ .
وفي رواية قال أبو سعيد : ( مطرنا ليلة إحدى وعشرين ، فوكف المسجد في مُصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظرت إليه ، وقد انصرف من صلاة الصبح ، ووجهه مُبتل طيناً وماء ) متفق عليه .
 وروى مسلم من حديث عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه نحو حديث أبي سعيد لكنه قال : ( فمطرنا ليلة ثلاثة وعشرين ).
  وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألتمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى ) [أخرجه البخاري 4/260].
 وكما في حديث عائشة وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) حديث عائشة عند البخاري 4/259 ، وحديث ابن عمر عند مسلم 2/823 ، وهذا لفظ حديث عائشة .
وفي أوتار العشر آكد ، لحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ) رواه البخاري 4/259 .
وفي الأوتار منها بالذات ، أي ليالي : إحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وخمس وعشرين ، وسبع وعشرين ، وتسع وعشرين .
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( التمسوها في العشر الأواخر ، في الوتر ) [أخرجه البخاري (1912)، وانظر: (1913)، ورواه مسلم (1167)، وانظر: (1165)].
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى ) [أخرجه البخاري ( 1917 - 1918 )] . فهي في الأوتار أحرى وأرجى إذن .
وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى ( أي تخاصم وتنازع ) رجلان من المسلمين ، فقال : ( خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فرُفعت ، وعسى أن يكون خيراً لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ) [البخاري ( 1919 )] . أي في الأوتار .
وفي هذا الحديث دليل على شؤم الخصام والتنازع ، وبخاصة في الدِّين وأنه سبب في رفع الخير وخفائه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين ، وليلة سبع وعشرين ، وليلة تسع وعشرين ، ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لتاسعة تبقى ، لسابعة تبقى ، لخامسة تبقى ، لثالثة تبقى ) فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع وتكون الاثنان والعشرون تاسعة تبقى ، وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى ، وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح ، وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر ، وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه ) ["مجموع الفتاوى" 25/284،285 ].
وليلة القدر في السبع الأواخر أرجى ، ولذلك جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام ، في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ) [أخرجه البخاري ( 1911 ) ومسلم ( 1165 )] .
ولمسلم : ( التمسوها في العشر الأواخر ، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يُغلبن على السبع البواقي .
وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون ، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر عند أحمد ومن حديث معاوية عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ) [مسند أحمد وسنن أبي داود ( 1386 )] .
وكونها ليلة سبع وعشرين هو مذهب أكثر الصحابة وجمهور العلماء ، حتى أبيّ بن كعب رضي الله عنه كان يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين ، قال زر ابن حبيش : فقلت : بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟ قال : بالعلامة ، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها . [أخرجه مسلم 2/268].
وروي في تعيينها بهذه الليلة أحاديث مرفوعة كثيرة.
وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( أنها ليلة سبع وعشرين ).
والصحيح أن كونها ليلة سبع وعشرين أمر غالب -والله أعلم- وليس دائماً ، فقد تكون أحياناً ليلة إحدى وعشرين ، كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدّم ، وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين كما جاء في رواية عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه كما تقدّم ، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى ) [أخرجه البخاري (4/260)].
ورجّح بعض العلماء أنها تتنقل وليست في ليلة معينة كل عام ، قال النووي رحمه الله : ( وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك ، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها ) ["المجموع" 6/450] .
وقد نقل الحافظ بن رجب من كتاب الامام الوزير يحيى بن هبيرة " الإفصاح عن معاني الصحاح "أنه قال فيه: ( الصحيح عندي: أن ليلة القدر تنتقل في أفراد العشر، فإنه حدثني من أثق به أنه رآها في ليلة سبع وعشرين. وحدثني أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله: أنه رآها. فأما أنا فكنت في ليلة إحدى وعشرين وكانت ليلة جمعة، فواصلت انتظارها بذكر اللّه عز وجل، ولم أنم تلك الليلة. فلما كان وقت السحر - وأنا قائم على قدمي - رأيت في السماء بابًا مفتوحًا مربعًا عن يمين القبلة، قدرت أنه على حجرة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فبقي على حاله - وأنا أنظر إليه - نحو قراءة مائة آية، ولم يزل، حتى التفت عن يساري إلى المشرق لأنظر هل طلع الفجر؟ فرأيت أول الفجر. فالتفت إلى ذلك الباب فرأيته قد ذهب. وكان ذلك مما صدق عندي ما رأيت. فالظاهر من ذلك: تنقلها في ليالي الأفراد في العشر. فإذا اتفقت ليالي الجمع في الأفراد فأجدر وأخلق بكونها فيها )["ذيل طبقات الحنابلة" (2/161-ط.مكتبة العبيكان)].
والحاصل أنه إنما أخفى الله تعالى هذه الليلة ليجتهد العباد في طلبها ، ويجدّوا في العبادة ، كما أخفى ساعة الجمعة وغيرها .

رابعاً- علامات ليلة القدر:
1- أن الشمس تطلع في صبيحتها صافية، ليس لها شعاع.
عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: "... أخبرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها" [أخرجه مسلم(762)].
وفي لفظ آخر لمسلم(762):"وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها".
2- أنها ليلة مشرقة, معتدلة الهواء لا حارة ولا باردة, ولا يرمى فيها بنجم.
عن واثلة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ليلة القدر ليلة بلجة , لا حارة ولا باردة , ولا يرمى فيها بنجم ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها" ["صحيح الجامع" /5472].
عن ابن عباس رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة سمحة طلقة , لا حارة ولا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء)["صحيح الجامع"(5475)].
ومعنى لَيْلَةٍ بَلِجَةٍ: أي مشرقة مضيئة. ومعنى ليلة سمحة طلقة: أي سهلة طيبة إذا لم يكن فيها حر ولا برد يؤذيان.
3-  أنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم["الشرح الممتع"(6/496)].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :"وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة، فيرى أنوارها، أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر، وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر".["مجموع الفتاوى"(25/286)]
وقال النووي:"اعلم أن ليلة القدر موجودة كما سبق بيانه في أول الباب فإنها ترى ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة في رمضان كما تظاهرت عليه هذه الأحاديث السابقة في الباب وإخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصر وأما قول القاضي عياض عن المهلب بن أبي صفرة( لا يمكن رؤيتها حقيقة) فغلط فاحش نبهت عليه لئلا يغتر به والله أعلم" ["شرح صحيح مسلم"(8/66)].
قال الماوردي: "ويستحب لمن رأى ليلة القدر أن يكتمها ويدعو بإخلاص نية وصحة يقين بما أوجب من دين ودنيا ويكون أكثر دعائه لدينه وآخرته"[ "الحاوي الكبير" (3/ 484)].
4-الطمأنينة أي طمأنينة القلب وإنشراح الصدر من المؤمن فإنّه يجد راحة وطمأنينة في هذه الليلة أكثر ما يجده في بقية الليالي.["الشرح الممتع"(6/496)].
5- أن الإنسان يجد في القيام لذة ونشاطاً، أكثر مما في غيرها من الليالي.
المرجع السابق.

خامساً- استحباب الدعاء فيها:
يستحب أن يدعو فيها بما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ومنه: «اللهم إنك عفو تحبّ العفو فاعف عني» لحديث عائشة أنها قالت: أرأيت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر، فما أقول فيها؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [أخرجه أحمد (6/ 171، 182، 183)؛ والترمذي(3513)؛ وابن ماجه (3850)؛ والحاكم (1/ 530).وقال الترمذي: «حسن صحيح» وصححه الحاكم على شرطهما، وأقره الذهبي].
فهذا من الدعاء المأثور، وكذلك الأدعية الكثيرة الواردة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا يمنع من الزيادة على ما ورد فالنبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى شراك نعله» [أخرجه الترمذي (3604)؛ وابن حبان (894)، (895)]، والناس لهم طلبات مختلفة متنوعة فهذا مثلاً يريد عافية من سقم، وهذا يريد غنى من فقر، وهذا يريد النكاح من إعدام، وهذا يريد الولد، وهذا يريد علماً، وهذا يريد مالاً، فالناس يختلفون.
وليعلم أن الأدعية الواردة خير وأكمل وأفضل من الأدعية المسجوعة، التي يسجعها بعض الناس، وتجده يطيل، ويذكر سطراً أو سطرين في دعاء بشيء واحد ليستقيم السجع، لكن الدعاء الذي جاء في القرآن أو في السنة، خير بكثير مما صنع مسجوعاً، كما يوجد في بعض المنشورات[ ينظر:"الشرح الممتع"(6/498)].

سادساً- وأخيرًا نقول لكل مَن فرَّط وضيَّع: اِسْتَدْرِك ما فاتك في ليلة القدر، فالعمل فيها خير من ألف شهر سواها، فمَن حُرِمَ خيرها فهو المحروم، كما أخبر الحبيب - صلى الله عليه وسلم.
 فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، افْتَرَضَ الله عليكم صيامه، يُفتَّح فيه أبواب الجَنَّة ويُغَلَّق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرها فقد حًرِم"[أخرجه أحمد في المسند(8979)،و النسائي(2106)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" 1/ 490].
 وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "دخل رمضان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِمَها فقد حُرِمَ الخير كله، ولا يُحْرَم خيرها إلا محروم".[صحيح الجامع: 2247].

والله الموفق والمعين.

الأحد، 19 يونيو 2016

& دراسات حديثية(4)

& حديث: " سِتُّ مَجَالِسَ الْمُؤْمِنُ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ مَا كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَعِنْدَ مَرِيضٍ، أَوْ فِي جَنَازَتِهِ، أَوْ عِنْدَ إِمَامٍ مُقْسِطٍ يُعَزِّرُهُ وَيُوَقِّرُهُ ".
وفي لفظ-لابن زنجويه-:" سِتَّةُ مَجَالِسَ، الْمُسْلِمُ فِيهَا ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَا كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ، أَوْ جِنَازَةٍ، أَوْ بَيْتِهِ أَوْ عِنْدَ إِمَامٍ مُقْسِطٍ، وَيُوَقِّرُهُ لِلَّهِ " قَالَ: قُلْتُ: مَا الضَّامِنُ؟ قَالَ: «مَنْ مَاتَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

( تخريجه ):
أخرجه ابن أبي عمر في "المسند"- كما في "المطالب العالية" (3/ 566 رقم 374) -، وعبد بن حميد (337) ، والبزار (435/كشف الأستار)، وابن زنجويه في "الأموال"(1/87) رقم (50)، والطبراني في"الكبير"(13/32) رقم (71) من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، به مرفوعاً.

( درجته: حسن لغيره ):
قال الزين العراقي -كما في"فيض القدير"(4/95)-:"ورجاله ثقات".
وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد"(2/23):"رواه الطبراني في "الكبير"، والبزار بنحوه، ورجاله موثقون ".
وقال البوصيري في"اتحاف المهرة"(2/49):"مَدَارُ أَسَانِيدِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْأَفْرِيقِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنَّ الْمَتْنَ لَهُ شَاهِدٌ..".
وصححه المناوي في"التيسير"(2/55)، وحسَّنه الألباني في"صحيح الترغيب"(1/79)رقم(328).
وله شاهد: أخرجه أحمد (36/ 412) رقم (22093)، والبزار (1649 - كشف الأستار) ، والطبراني في "الكبير" 20/ (55)من طريق ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: "عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَمْسٍ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ: " مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ، أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَيَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ وَيَسْلَمُ".
وأخرجه ابن خزيمة (1495) ، وابن حبان (372) ، والطبراني في "الكبير" 20/ (54) ، وفي "الأوسط" (8654) ، والحاكم (1/212) و(2/90)، والبيهقي في "السنن" (9/166-167) من طريق الحارث بن يعقوب، عن قيس بن رافع القيسي، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو، عن معاذ. وفيه مكان الجنازة الذهاب إلى المسجد. وجعلوا بدل قوله: "أو قعد في بيته فيسلم الناس منه ويسلم". قوله: "ومن جلس في بيته لم يغتب إنساناً". وإسناده حسن.


*******( والله الموفق )********
 & من هم أهل الحديث؟!

(ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته؛ بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهراً وباطناً، واتباعه باطناً وظاهراً، وكذلك أهل القرآن.
وأدنى خصلة في هؤلاء: محبة القرآن والحديث، والبحث عنهما وعن معانيهما، والعمل بما علموه من موجبهما؛ ففقهاء الحديث أخبر بالرسول من فقهاء غيرهم، وصوفيتهم أتبع للرسول من صوفية غيرهم، وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم، وعامتهم أحق بموالاة الرسول من غيرهم...
وإذا تدبر العاقل وجد الطوائف كلها كلما كانت الطائفة إلى الله ورسوله أقرب كانت بالقرآن والحديث أعرف وأعظم عناية، وإذا كانت عن الله وعن رسوله أبعد كانت عنهما أنأى، حتى تجد في أئمة علماء هؤلاء من لا يميز بين القرآن وغيره، بل ربما ذكرت عنده آية، فقال: لا نسلم صحة الحديث، وربما قال لقوله عليه السلام كذا، وتكون آية من كتاب الله، وقد بلغنا من ذلك عجائب، وما لم يبلغنا أكثر...
وحدثني ثقة أنه تولى مدرسة مشهد الحسين بمصر بعض أئمة المتكلمين رجلٌ يسمى شمس الدين الأصبهاني شيخ الأيكي، فأعطوه جزءً من الربعة، فقرأ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ . ألمص}؛ حتى قيل له: ألف لام ميم صاد.
فتأمل هذه الحكومة العادلة ليتبين لك أن الذين يعيبون أهل الحديث ويعدلون عن مذهبهم جهلة زنادقة منافقون بلا ريب، ولهذا لما بلغ الإمام أحمد عن  "ابن أبي قتيلة" أنه ذكر عنده أهل الحديث بمكة، فقال: قوم سوء. فقام الإمام أحمد وهو ينفض ثوبه، ويقول: زنديق، زنديق، زنديق. ودخل بيته؛ فإنه عرف مغزاه )*.


..................

* ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية ـ رحمه الله ـ(4 / 95 - 96).
& فوائد حديثية 
(فائدة في تدليس التسوية)

من يقبل حديث مدلس التسوية يشترط أن يصرح المدلس بالتحديث في كل الطبقات التي فوقه..
وهذا ما أكثره في كلام المعاصرين، لكن هل نص عليه أحد العلماء السابقين في كتبه ؟!
والجواب نعم قد نص عليه الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في عدة مواضع وكذا البدر العيني، ولم أقف على هذا عند غيرهما بعد بحث؛ وهاك البيان:
1- قال في "فتح الباري" (2/318):
"...عن أبي هريرة مرفوعا إذا تشهد أحدكم فليقل فذكر نحوه ...وأخرجه أيضاً من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بلفظ إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فذكره وصرح بالتحديث في جميع الإسناد".
2- وفيه -أيضاً-(10/376):
"وَهُوَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي يَلِي هَذَا قَوْله تَابعه بن إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْحَسَنِ هُوَ ابن مُسْلِمٍ، وَهَذِهِ الْمُتَابَعَةُ رَوَيْنَاهَا مَوْصُولَةً فِي أَمَالِي الْمَحَامِلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصْبَهَانِيِّينَ عَنْهُ ثُمَّ مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم بن سعد عَن بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ فَذَكَرَهُ، وَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ السَّنَدِ ".
ب- وفي "فتح الباري"(110/12):
" حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُصَرِّحًا فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِهِ فَأُمِنَ فِيهِ مِنَ التَّدْلِيسِ وَالتَّسْوِيَةِ ".
ج- وفي "فتح الباري"(206/12):
"وَتَقَدَّمَ فِي اللُّقَطَةِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُصَرِّحًا بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ السَّنَدِ  ".
وقال البدر العيني-رحمه الله- في"عمدة القاري"(24/43):
"وسَاق البُخَارِيّ الحَدِيث هُنَا على لفظ حَرْب، وسَاق الطَّرِيق الأول على لفظ شَيبَان، كَمَا فِي كتاب الْعلم، وَمرَاده من الطَّرِيق الثَّانِي تَبْيِين عدم تَدْلِيس يحياى بن أبي كثير، وَتقدم فِي اللّقطَة من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحياى عَن أبي سَلمَة مُصَرحًا بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيع السَّنَد ".
والله الموفق.
 & المخالطة المطلقة والانفراد المطلق خطأ 

( لا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه وذكره وصلاته وتفكره ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه، وما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره؛ فهذه يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه: 
إما في بيته، كما قال طاووس: نعم صومعة الرجل بيته يكف فيها بصره ولسانه. وإما في غير بيته.
فاختيار المخالطة مطلقاً خطأ، واختيار الانفراد مطلقاً خطأ، وأما مقدار ما يحتاج إليه كل أنسان من هذا وهذا وما هو الأصلح له في كل حال؛ فهذا يحتاج إلى نظر خاصٍّ )*.

------------
* "مجموع الفتاوى" لابن تيمية ـ رحمه الله ـ(10 / 426).
& الحذر من فتنة النساء !

قالَ اللهُ تَعَالَى حِكَايَةً لِقَوْلِ يُوسُفَ : { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: 
« مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ».
أخرجه البخاري(9/137-مع الفتح)رقم(5096)، ومسلم(4/2098)رقم(2741).

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ » أخرجه مسلم(4/2098)رقم(2742).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ :{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ْ}[الْحَشْرِ: 16، 17] 
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:" وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ وَكَانَ لَهَا إِخْوَةٌ أَرْبَعَةٌ، وَكَانَتْ تَأْوِي بِاللَّيْلِ إِلَى صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ. قَالَ: فَنَزَلَ الرَّاهِبُ فَفَجَرَ بِهَا فَحَمَلَتْ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَهُ: اقْتُلْهَا ثُمَّ ادْفِنْهَا فَإِنَّكَ رَجُلٌ مُصَدَّقٌ يُسْمَعُ قَوْلُكَ فَقَتَلَهَا، ثُمَّ دَفَنَهَا قَالَ: فَأَتَى الشَّيْطَانُ إِخْوَتَهَا فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الرَّاهِبَ صَاحِبُ الصَّوْمَعَةِ فَجَرَ بِأُخْتِكُمْ فَلَمَّا أَحْبَلَهَا قَتَلَهَا، ثُمَّ دَفَنَهَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ رُؤْيًا مَا أَدْرِي أَقُصُّهَا عَلَيْكُمْ أَمْ أَتْرُكُ ؟ قَالُوا: لَا بَلْ قُصَّهَا عَلَيْنَا، قَالَ: فَقَصَّهَا فَقَالَ الْآخَرُ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ فَقَالَ الْآخَرُ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ قَالُوا: فَوَاللَّهِ مَا هَذَا إِلَّا لِشَيْءٍ فَانْطَلَقُوا فَاسْتَعَدَوْا مَلِكَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الرَّاهِبِ فَأَتَوْهُ فَأَنْزَلُوهُ، ثُمَّ انْطَلَقُوا بِهِ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: إِنِّي أَنَا الَّذِي أَوْقَعْتُكَ فِي هَذَا، وَلَنْ يُنْجِيَكَ مِنْهُ غَيْرِي فَاسْجُدْ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً وَأُنَجِّيَكَ مِمَّا أَوْقَعْتُكَ فِيهِ، قَالَ: فَسَجَدَ لَهُ، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِ مَلِكَهُمْ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَأُخِذَ فَقُتِلَ " أخرجه ابن جرير في"تفسيره"(23/295)بإسناد حسن.

وعن علي بن زيد، عن سعيد بن المسِّيب، قال:
"ما أيِسَ الشيطان مِنْ شيء إلا أتاه مِن قِبَل النساء". 
ثم قال لنا سعيد ـ وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى :" ما شيء أخوف عندي من النساء ". [ "السير"(4/237) ].

وعن عمران بن عبد الله الخزاعي قال: قال سعيد بن المسِّيب:
ما خِفْتُ على نفسي شيئاً مخافةَ النساء ،قالوا: يا أبا محمد! إن مثلك لا يُريدُ النساء ، ولا تُريدُهُ النساء ، فقال: هو ماأقول لكم. وكان شيخاً كبيراً أعمش.[ "السير"(4/2241) ].

وعن عطاء قال:" لو ائتمنت على بيت مال لكنت أميناً، ولا آمن نفسي على أمة شوهاء ".
قال  الذهبي - :" صدق رحمه الله ".[ "السير"(5/88) ].

وقال الحافظ في"الفتح"(9/1337):
"وفي الحديث(يعني حديث أسامة) أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} فجعلهن من حب الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك، ويقع في المشاهدة حب الرجل ولد من امرأته التي هي عنده أكثر من حبه ولده من غيرها، ...وقد قال بعض الحكماء: النساء شر كلهن، وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد ".

إنّها حبائل إبليس ، و تزينات الخسيس ، فالحذارِ الحذار ، و البدار البدار .
& الفقهاء السبعة
 
الفقهاء السبعة من التابعين، وهم:
1- أبو عبد الله: عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود الهُذَلي المدني الفقيه الأعمى. (ت 98 أو 99 هـ)
2- أبو عبد الله : عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المَدني الفقيه. ولد سنة 26 هـ (ت 93 هـ)
3- أبو محمد: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني الفقيه. (ت 106 هـ)
4- أبو محمد: سعيد بن المسيِّب بن حَزْن بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن مخزوم المخزومي المدني الأعور الفقيه. (ت 91 أو 92 أو 93 أو 94 أو 95 هـ)
5- أبو بكر: اسمُه كنيتُه. ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي الفقيه (ت 94 هـ)
6- سليمان بن يسار مولى مَيمُونة المَدني الفقيه. (ت 94 أو 100 أو 107 هـ)
7- أبو زيد: خارجةُ بن ثابت الأنصاري المدني الفقيه. (ت 100 هـ أو قبلها بسنة.

قال الحافظ  المزي-رحمه الله- في "تهذيب الكمال"(12/103):
" وَقَال عَبْد الرحمن بْن أَبي الزناد، عَن أَبِيهِ: كَانَ ممن أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ممن يرضى وينتهى إلى قولهم: سَعِيد بْن المُسَيَّب، وعروة بْن الزبير، والقاسم بْن محمد، وأبو بكر بْن عَبْد الرحمن، وخارجة بْن زيد بْن ثابت، وعُبَيد الله بْن عَبد الله بْن عتبة، وسُلَيْمان بْن يسار، فِي مشيخة جلة سواهم من نظرائهم، أهل فقه، وصلاح، وفضل ".
وقد قيل فيهم:
إِذا قِيلَ مَنْ فِي الْعِلْمِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ .. مَقَالَتُهُمْ لَيْسَتْ عَنِ الْحَقِّ خَارِجَهْ
فَقُلْ هُمْ عُبَيدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ .. سَعِيدٌ أبُو بَكْرٍِ سُلَيْمَانُ خَارِجهْ
وقال آخر:
ألا كل من لم يَقْتَدي بأئمة .. فقِسمَتُه ضِيزَى عن الحق خارجهْ
فخذهم: عُبيد الله، عُرْوَة، قاسمٌ ..سعيدٌ، سليمانُ، أبو بكرٍ، خارجهْ

وكلهم من أبناء الصحابة إلا سليمان فأبوه يسار لا صحبة له، قاله السخاوي -رحمه اللَّه-.
& حال الدولة السعودية مقارنة بغيرها من الدول الإسلامية التي ابتُليت بالاستعمار!

قال الشيخ أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - وفقه الله - واصفًا حال الدولة السعودية مقارنة بغيرها من الدول الإسلامية التي ابتُليت بالاستعمار فترة من الزمن :
( والإغارة على شرقنا الإسلامي إغارة فكرية في الدرجة الأولى ، منذ حُل نظام الخلافة الإسلامية ، وانتُهبت تركتُها ، كما أن للصهيونية والصليبية تخطيطاً منظماً مدروساً لإبقاء شرقنا الإسلامي تحت الاستعمار الفكري والسياسي والاقتصادي.. لا يمكن أن ينكر ذلك إلا من صمم بإرادة سلوكية حرة - لا بضرورة فكر- على أن يعزل نفسه عما حوله، وأهم ثمار هذا التخطيط جاء من قبل تحطيم إيجابية الفكر، وقد تجلّى ذلك في وسيلتين: 
الوسيلة الأولى: إفساد القيادات والزعامات، وتربيتها تربية علمانية.. ، وعداء أغلب الزعامات للإسلام في بلادنا العربية والإسلامية حقيقة حسية مشهودة كلما استُحدِث زعيمٌ شغل الفراغ بالشعارات الكاذبة، مع ترديد العلمانية وترسيتها في حياة الناس وفي فكرهم؛ فإذا برم الضمير بتلك الشعارات، وسئم الاعتداء على مقدساته ؛ صُفِّيت تلك الزعامة بأي تدبير من وراء الكواليس، وأحل محلها زعامة جديدة لا سابقة لها ولا خطر ، إلا أنها رُبيت تربية معادية للأمة دينياً وعسكرياً واقتصادياً.. وهي تربية من وراء الكواليس أيضاً: تعيد حمى الشعارات السابقة، وتمتص غضب الجماهير بمراوغات جديدة ، وربما افتعلت لها المؤسسات الأجنبية نصراً عسكرياً مؤقتاً ومموهاً ضماناً لبقائها ، وما بُليت الأمة في هذه العصور إلا بعمالة القيادات وخيانتها.
ويستثنى واقع التاريخ وضعاً حكومياً واحداً في جزيرة العرب : وهو الحكومة السعودية ،  ليس في أي بلد عربي قيادة تساوي أو تقارب الواقع التاريخي لهذه الحكومة، بل كانت أعرق الحكومات على الإطلاق، وقد وُجدت قبل انحلال الخلافة الإسلامية في تركيا بما يزيد على قرن ونصف ، قبل أن يتفق الذئاب من الدول العظمى على التلاعب بكراسي الحكم والاستحواذ على ربائط تُربيها يد الأجنبي.. كانت هذه الحكومة من قرية من القرى الصغرى في نجد في مجتمع أمي عامي لم تمتد أساليب العمالة الأجنبية إلى فنائه، ولم تمخضه حركات الغارة الفكرية؛ لأنها لم توجد في الساحة بعد.. قامت هذه الحكومة والخلافة الإسلامية قائمة في تركيا ليس للأمم الكافرة أي سلطان على شرقنا، ولو وُجد لها سلطان لكانت الحكومة في الجزيرة آخر من يفكر في مداهنته؛ لأن النفوس مجبولة جِبلَّة فطرية وراثية على كراهة الأجنبي.. ولاسيما إن كان عدواً لله  ، لم يصحب قيام هذه الدولة في مجتمع فقير أُميّ تأييدٌ أجنبي، ولا يد أجنبية، ولا تمثيل بين عواصم أمريكة وبريطانية وروسية وفرنسية؛ لأنه لم يقم لهذه الدول الكافرة سلطان يومئذ، ولأن خلافة تركيا المسلمة في نحورهم على الرغم من سلبياتهم الخانقة لأبناء ملتهم من العرب الذين لم تُكدِّر سلفيَّتهم البدعة والدروشة .. إنها حكومة قامت في جوها التاريخي الطبيعي داعية إلى الإسلام وتنقية المجتمع من شوائب البدعة والوثنية التي تراكمت مع أحقاب الزمن، وليس لهذه الحكومة أي موجّه فكري وافد؛ لأنه ليس في أرفف القوم  غير القرآن الكريم، وكتب الفقه، والحديث، والتوحيد، والآلة  ، بأقلام كبار السلف.. لا يعرفون ولا يحسنون أصلاً غير ذلك، وظلت رقعة هذه الحكومة بين مدٍّ وجزرٍ ؛ تمتد بدافع الحماس للعقيدة كما في عهد عبدالعزيز الأول وابنه سعود، وتنكمش بتسلط الخلافة الإسلامية في تركيا بدافع الغيرة كما في عهد الإمام عبدالله ، أو بعامل الخلاف والتشاحن بين الأسرة ذاتها كما في عهد أبناء الإمام فيصل بن تركي رحمهم الله.. وقد عادت جميع الرقعة التاريخية في عهد الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وانتظمت القيادة بالدستور نفسه ، ومنذ ذلك التاريخ لم نجد وجهاً نشتبه فيه، والتعاقب على ولاية الأمر لم يكن من اللون الذي نرى فيه تصفية زعيم، واستحياء قزم، وإنما هو نظام تاريخي اختاره ولاة الأمر أنفسهم على نظام عريق سائد منذ قامت حكومتهم، وظل يكتسب شرعيته في كل مرحلة ببيعة المسلمين وتنظيم علمائهم وإلى الآن  ، - والله المرجو أن يعصم مستقبلنا- لم يُمْلَ على شعبنا أي إيديولوجية وافدة، ولم يحصل اعتداء على حرمة الدين وحريته، واستمرت البيعة لأجله منذ عهد محمد بن سعود؛ فالكلمة للإفتاء والقضاء والدوائر الشرعية العليا، ولا تزال الدولة - ولن تزال إن شاء الله - جهة تنفيذ لدين الأمة وعقيدتها.
هذا واقع تاريخ لم أبتدعه، وإنما نبَّهت عليه؛ لأنه برهان حاسم على أن نظامنا منَّا، وإنما يُخشى علينا الاستسلام للغارة الفكرية التي سأشرحها في الوسيلة الثانية من وسائل التدمير الأجنبي .. لقد رأينا خلال التهافت على الكراسي في البلاد الأخرى أكثر من سحنة، وأكثر من وجه، وأكثر من أسلوب للخداع .. ولكن الذي بقي ولم يتغير هو العلمانية في فصل الدين عن الدولة، وتربية الناشئة على الغُربة عن دينها، وبقاء الأمة خلال كل زعامة تطرأ عاجزة عن صُنع إبرة ! 
و الوسيلة الثانية : التسلط على عقول المثقفين بأفكار من حيل ثقافية تؤمم كل إيجابية فكرية .. يظهر ذلك بربط مداخل جميع العلوم بمناهج فلسفية غربية معاصرة ، حطمت كل معايير الفكر الصحيحة الثابتة ، وهي مناهج ومذاهب متناقضة ما بين : حسبانية ، و اسمية ، و وضعية ، و وجودية .. وقممُ هذه الفلسفة المعاصرة ملاحدةٌ متسترون على يهوديتهم ، ولا يُنكر البروتوكولات الصهيونية إلا مغبون العقل .. ويظهر ذلك ظهورًا أدق ذكاء ، و أعوض تعقيدًا ، في أيديولوجية الأدب الحديث ، التي يتهافت عليها - بغريزة فطرية - معظمُ أجيال المثقفين .. )

[ "المدخل عن نظرية المعرفة"(ص 19-23 ) ].
جواز الانتساب إلى السلفية والرد على من جعلها حزباً! 

حوار مع الدكتور عبد القادر طاش *

(1ـ 2)


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين 

وبعد :

فقد كتب الدكتور عبد القادر طاش ضمن زاويته اليومية في جريدة المدينة المنورة "نقطة ضوء" عن "سيئات التحزب الديني "! فألفيته قد خلّط في الأمر وألقى بالكلام على عواهنه حينما جعل السلفية صنواً للحزبية المقيتة ! وأن الخلاف بينها وبين الجماعات الحزبية خلاف في الاجتهاد والأراء !
وهذا بلا ريب جناية عظيمة على السلفية ودعاتها ،فالسلفية ليست حزباً من الأحزاب أوجماعةً من الجماعة .

إن السلفية يادكتور تطلق ويراد بها أحد معنيين:

الأول : حقبة تاريخية معيّنة تختص بأهل القرون الثلاثة المتقدمة؛كمافي حديث :"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم " متفق عليه.

والثاني :الطريقة والمنهج والمسلك الذي كان عليه الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان ؛من التمسك بالكتاب والسنة ولزومهما وتقديمهما على ماسواهما ،والعمل بهما على مقتضى فهم الصحابة والسلف .
فالسلفية بالاطلاق الأول تكون مرحلة مرحلة تاريخية زمنية ،قد انتهت بموت رجالها .
وبالإطلاق الثاني تكون منهاجاً باقياً إلى قيام الساعة ، يصح الانتساب إليه ، فيقال: "فلان سلفي " متى التزمت شروطه وقواعده ،لحديث :" لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لايضرهم من خذلهم ،حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " رواه مسلم .
وعليه فكل متأخر عن زمن السلف ، ولكنه على مذهبهم في الاعتقاد والعمل يكون سلفياً بالاطلاق الثاني لا الأول .[ ينظر :منهج الاستدلال عند أهل السنة والجماعة 1/35ـ36]
وإذا علمنا أن الدعوة إلى اتباع السلف ،أوالدعوة إلى السلفية كما يعبر البعض عنها إنما هي دعوة إلى الإسلام الحق وإلى السنة المحضة ؛دعوة إلى العودة إلى الإسلام كما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنه أصحابه الكرام رضوان الله عليهم ، فلا ريب أن هذه الدعوة دعوة حق ،والانتساب إليها حق ، فلا ضير في الانتساب إلى السلف والاعتزاء إليهم حينئذ .
كماقال شيخ الاسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ونقل الاتفاق عليه :
"لاعيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه ؛واعتزى إليه ،بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق ، فإن مذهب السلف لايكون إلا حقاً "[ مجموع الفتاوى 4/149].
وقد جاء في "الأنساب " للسمعاني(3/273)المتوفى سنة 562هـ :
"السلفي ـ بفتح السين واللام وفي آخرها الفاء ـ هذه النسبة إلى السلف ، وانتحال مذاهبهم على ماسمعت منهم " .
وقال ابن الأثير (ت630هـ) عقب كلام السمعاني السابق في "اللباب في تهذيب الأنساب ": "وقد عُرف به جماعة ".
وهذا يعني أن التلقب بالسلفية والانتساب إليها أمر عرف في عصر الإمام السمعاني أو قبله .
وقد أطلق الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لقب السلفية على جماعة من العلماء في بعض مصنفاته كما في "بيان تلبيس الجهمية "(1/122) ،وكذلك الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ في عدد من مصنفاته :
فقال في "سير أعلام النبلاء" (6/21)في ترجمة الحافظ السِلَفي :
"فالسلفي مستفاد مع السَلَفي ـ بفتحتين ـ وهو ماكان على مذهب السلف ".
وقال أيضاً في المصدر السابق (13/380):
"الأمانة جزء من الدين ،والضبط داخل في الحذق ،فالذي يحتاج إليه الحافظ:أن يكون تقياً ذكياً ،نحوياً ،لغوياً ،زكياً حيياً، سلفيـــــاً ..".
وقال في المصدر السابق (16/457)في ترجمة الحافظ الدارقطني (385هـ) :
"وصح عن الدارقطني أنه قال :ماشيء أبغض إلي من علم الكلام .
قلت ـ الذهبي ـ :لم يدخل الرجل أبداً في علم الكلام ولاالجدال ،ولاخاض في ذلك ، بل كان سلفيـــــــاً...".
وقال أيضاً في "تذكرة الحفاظ "(4/1431)في ترجمة الحافظ ابن الصلاح(ت643هـ):
"..وكان سلفيــــــاً حسن الاعتقاد ..".
وقال أيضاً في "معجم شيوخه الكبير"(2/280)في ترجمة شيخه محمد بن المفضل البهراني (ت699هـ):
"..وكان ديناً خيراً سلفيــــاً مهيباً ..".
وقال أيضاً في المصدر السابق (2/368 ـ 369)في ترجمة شيخه يحى بن اسحاق الشيباني (ت724هـ):
" ..وكان عارفاً بالمذهب خيراً متواضعاً سلفيــــاً حميد الأحكام..".

وفي عصرناالحاضر أطلق هذه النسبة وهذا اللقب جماعة من أفاضل العلماء
الذين عرفوا بالسنة والذب عنها :
كالشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي ـ رحمه الله ـ ت1386هـ
في كتابه "القائد في تصحيح العقائد"(ص47،51،55،199) ،والشيخ عبد الرحمن بن قاسم ـ رحمه الله ـ (ت1392هـ) في "حاشية الدرة المضية "(ص72)،والشيخ العلامة الإمام مفتي الديار السعودية عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في رسالته "تنبيهات هامة على ماكتبه محمد علي الصابوني في صفات الله عزوجل "(ص37)،والشيخ المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في عددمن كتبه وأشرطته ؛منها في كتابه "مختصر العلو"(ص122)، ومقدمته لشرح "العقيدة الطحاوية"(ص57)،و"التوسل "(ص14)، والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في "شرح العقيدة الواسطية"(1/53)حيث قال :"...فأهل السنة والجماعة هم السلف معتقداً، حتى المتأخر إلى يوم القيامة إذا كان على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه سلفي "،والشيخ الدكتور صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ في كتابه "البيان لأخطاء بعض الكتاب " عند رده على البوطي(ص87،88،89،90،93).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء في المملكة العربية السعودية ـ حرسها الله ـ (2/165ـ 166):
" س: ماهي السلفية ،وما رأيكم فيها؟
الحمد لله وحده والصلاة على رسوله وآله وصحبه..
وبعد:
السلفية نسبة إلى السلف ،والسلف :هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى من أهل القرون الثلاثة الأولى ..رضي الله عنهم ..
والسلفيون جمع سلفي نسبة إلى السلف ،وقد تقدم معناه وهم الذين ساروا على منهاج السلف من اتباع الكتاب والسنة والجماعة ..".
وغير هؤلاء كثير من أهل العلم المعاصرين ،وجميعهم لايرون بأساً في اطلاق لقب (سلفي) أو (السلفيين) مشيرين به إلى أولائك السائرين على منهاج السلف وطريقتهم .
فهل يحسن بعد هذا أن نجعل السلفية والسلفيين في خندق واحد مع الحزبية والحزبيين ؟
أيجعل من يدعوإلى الكتاب والسنة وماكان عليه سلف الأمة مع من يدعو إلى فكر الخوارج والمتصوفة وأهل الكلام والأهواء؟ اللهم لا!
فشتان بين النور والظلمة ،والحق والباطل .

إن الجواهر في التراب جواهر .. والأسد في قفص الحديد أســــود

وقول الآخر:
وليس يصح في الأفهـــام شيء .. إذا احتاج النهار إلى دليــــل

وإذا كانت السلفية قديماً وحديثاً قد ناصبها خصوم لا يتقون الله العداوة ، أما من كبر ، وأما من عجز عن ادراك شرف منهجها ،وأما من جهل بها ، وأما بمكر سيء لإثارة الفتن وإيقاد نار العداوة ،فؤلائك جميعاً حسيبهم الله ؛وعلى رأسهم أشباه العامة ممن يدعون العلم ، وأصحاب الطرق ،والمتذهبون المتعصبون ،الذين نأوا بأنفسهم عن تقوى الله عزوجل ،فراحوا يلقبون الدعاة السلفيين بألقاب منفرة باطلة منكرة لإبعادهم عن ساحة العلم والدعوة خشية أن ينغصوا عليهم أفكارهم أو يكشفوا انحرافاتهم وزيغهم أو يظهر زيوفهم [ينظر :"لادفاعاً عن السلفية "ص28].
ولقد تصدى السلفيون في جميع أصقاع الأرض للحزبية ودعاتها فبينوا عوارها وخطرها على وحدة الأمة الإسلامية ،وأنها تقود إلى التفرق والتشتت وإلى البدع والأهواء ،وحثوهم على لزوم الوحيين وماكان عليه السلف الصالح فبهما يكون الفلاح والنجاح والنصر والتمكين، فلايجوز أبداً أن تقرن دعوتهم بدعاوى الحزبيين كما تقدم ..
نسأل الله أن يوفقنا للزوم منهج السلف وأن يميتنا على الإسلام والسنة ،والحمد لله رب العلمين .

وكتب/ خالدبن قاسم الردادي
المدرس بالجامعة الإسلامية 
بالمدينة النبوية 

-------------------------------
* نشر في جريدة المدينة المنورة ،العدد(12140) في 20/2/1417هـ .
& من آداب الكتب: النظر في كتاب الغير!

الأَْصْل فِي النَّظَرِ فِي كِتَابِ الْغَيْرِ حَدِيثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« منْ نظر فِي كِتابِ أخيهِ بِغيْرِ إِذْنِهِ فإِنّما ينْظُرُ فِي النّارِ »(1).
قَال ابْنُ الأَْثِيرِ :" هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ سِرٌّ وَأَمَانَةٌ يَكْرَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ، قَال: وَقِيل: هُوَ عَامٌّ فِي كُل كِتَابٍ  "(2).
وقال البخاري :" باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره، وذكر كتاب حاطب بن أبي بلتعة وقصته   "(3). 
وَقَال الْمَرْوَزِيُّ: قُلْتُ لأَِبِي عَبْدِ اللَّهِ:" رَجُلٌ سَقَطَتْ مِنْهُ وَرَقَةٌ فِيهَا أَحَادِيثُ فَوَائِدُ فَأَخَذْتُهَا، تَرَى أَنْ أَنْسَخَهَا وَأَسْمَعَهَا؟ قَال: لاَ، إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا  "(4).
قال الخلال:" كراهية النظر في كتاب الرجل إلا بإذنه، قال أبو بكر بن عسكر : كنت عند أبي عبد الله ، وعنده الهيثم بن خارجة فذهبت أنظر في كتاب أبي عبد الله، فكره أبو عبد الله أن أنظر في كتابه ، واطَّلع عبد الرحمن بن مهدي في كتاب أبي عوانة بغير أمره، فاستغفر الله مرتين  "(5).
وذكر بعض الشافعية ما هو ظاهر في أن النظر في كتاب الغير من كتب العلم لا يحرم(6).
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ:" الأَْثَرُ الْوَارِدُ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ الْغَيْرِ يُخَصُّ مِنْهُ مَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا إِلَى دَفْعِ مَفْسَدَةٍ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ النَّظَرِ "(7).
وقال البغوي بعد أن خرّج حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة-رضي الله عنهما-:
" فِي الْحدِيث دليلٌ على أنّهُ يجوز النظرُ فِي كتاب الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه، وَإِن كَانَ سراً إِذا كَانَ فِيهِ ريبةٌ وضررٌ يلْحق الْغَيْر، أمَّا مَا رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، أنّ رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «منْ نظر فِي كِتابِ أخيهِ بِغيْرِ إِذْنِهِ فإِنّما ينْظُرُ فِي النّارِ» ، فهُو فِي الْكتاب الّذِي فِيهِ أَمَانَة، أوْ سر بيْن الْكَاتِب والمكتوب إِليْهِ لَا رِيبَة فِيهِ، وَلَا ضَرَر بأحدٍ من أهل الإِسْلام، فَأَما كتبُ الْعلم، فقدْ قِيل: يجوز النظرُ فِيهِ بِغَيْر إِذن صَاحبه، لِأَن الْعلم لَا يحلُّ مَنعه، وَلَا يجوز كتمانُه، وقِيل: لَا يجوز لظَاهِر الْحدِيث، وَلِأَن صَاحب الشَّيْء أولى بِمَنْفَعَة مِلكه، وَإِنَّمَا يَأْثَم بكتمان الْعلم الّذِي سُئل عَنهُ، فَأَما منع الْكتاب عنْ غَيره، فَلَا إِثْم فِيهِ "(8).
وقال شيخنا العلامة عبد المحسن العباد -حفظه الله- عند شرح حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-:
" قوله:(من نظر في كتاب أخيه بغير أذنه فإنما ينظر في النار) قيل: إن المقصود بالكتاب هو الكتاب الذي فيه سر، أو فيه أمانة، أو فيه شيء لا يحب صاحبه أن يطلع عليه، وكون الإنسان يطلع في كتاب أحد فيه أمور لا يريد أن يطلع عليها لا شك في أنه من أولى ما يمنع منه، وأما كتب العلم ونحوها فمن الآداب ومن الأخلاق الكريمة أن الإنسان لا يستعمل شيئاً إلا بإذن صاحبه، إلا إذا كان يعرف من عادة هذا الإنسان أنه يسمح بذلك، فإن هذا لا بأس به، ولكن كون الإنسان يأتي إلى كتب لشخص معين في بيته ويطلع عليها من غير إذنه فلا شك في أن هذا ليس من الأخلاق الكريمة، وليس من الآداب الحسنة "(9).
وقال مجيبا عن سؤال وجه إليه :
" السؤال: حديث: (من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار)، هل يدخل فيه النظر في كتاب الطالب حال التدريس؟ 
الجواب: الحديث المذكور ضعيف، وللطالب أن ينظر من كتاب زميله، ولا مانع من ذلك، وإنما المحذور أن يضايقه ويزاحمه، أما إذا طلب منه أنه ينظر أو قرب صاحب الكتاب الكتاب إليه مشعراً له في رغبته بمشاركته فهذا إذن "(10).

والله الموفق والمعين



-------------- 

(1) أخرجه أبو داود (2/78)رقم (1485)، وعبد بن حميد (675-المنتخب)، والطبراني في"الكبير"(10/320)رقم(10781)، والحاكم(4/270)، والقضاعي في"مسند الشهاب"(1/284)رقم(464)من حديث عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-. 
وهو حديث ضعيف منكر، قال أبو داود:" رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا ". وقال أبو حاتم في"العلل"(2/351): " هذا حديث منكر". وقال ابن حجر في"الفتح" (4/148):"وسنده ضعيف". وضعفه الألباني في"السلسلة الضعيفة"(11/706)رقم(5425).
(2)"النهاية"(4/148).
(3)في "الجامع الصحيح"(11/46-مع الفتح).
(4)"الآداب الشرعية"(2/166-167).
(5) السابق.
(6) السابق.
(7)"فتح الباري"(11/46).
(8)"شرح السنة"(11/74).
(9)"شرح سنن أبي داود"(8/202-مفرغ من شرح صوتي في الشاملة).
(10)في أحد "دروس شرح سنن أبي داود"(8/342- مفرغ من شرح صوتي في الشاملة).