مصطلح التمييع والمميعة .
الحمد لله وحده، والصلاة واالسلام على من ﻻ نبي بعده...وبعد:
فإن من المصطلحات التي يستعملها كثير من السلفيين اليوم - وذكرت عن غيرهم - لفظة "التمييع" فما لمقصود به، وهل يصح استعماله؟!
ونحن هاهنا -على عجالة- نبين معناه لغة ثم اصطﻻحا ومن ثم حكم استعماله وتداوله، وبالله التوفيق.
معناه في اللغة:
- قال الأزهري في «تهذيب اللغة» (160/3):" ميع: قال الليث: ماع الماءُ يميع ميْعاً اذا جرى على وجه الأرض جرياً منبسطاً في هِينة. وكذلك الدم يميع وأنشد:
كأنه ذو لبد دلهْمسُ...بساعديه جسد مورّس...من الدماء مائع ويُبّس.
وأمعْته أنا اماعة، والسراب يميع، قال: وميعة الحُضْر وميْعة الشباب أوله وأنشطه.
قال والميْعة: شيء من العطر. وفي حديث ابن عمر أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن، فقال: «ان كان مائعاً فأرِقه، وان كان جامِساً فألْقِ ما حوله».
قال أبو عبيد في قوله: ان كان مائعاً أي ذائباً، ومنه سميت الميْعة لأنها سائلة.يقالُ: ماع الشيء وتميّع اذا ذاب، ومنه حديث عبدالله حين سئل عن المُهْل فأذاب فضّة فجعلت تميّع وتلوّن، وقال هذا: من أشبه ما أنتم راءون بالمُهْل ".
- وقال ابن فارس في «معجم مقاييس اللغة» (285/5): " موع: الميم والواو والعين: ماع الصفر والفضة في النار يموع ويميع ذاب ".
- وجاء في «المعجم الوسيط»(2/894):
" (ماع) الجسم اماعا واماعة: أساله، (انماع) السمن ونحوه ذاب، (الاماعة) تحويل جامد الى سائل أو غاز (المائعة) عطر طيب الرائحة جدا وصمغ يسيل من شجر وناصية الفرس اذا طالت وسالت (ج) موائع. (الميعة) عطر طيب الرائحة وصمغ يسيل من بعض الشجر وسيلان الشيء المصبوب وميعة الشيء أو له فميعة الشباب والنهار أولهما وميعة الحضر أوله ونشاطه وكذلك ميعة السكر".
فالمعنى لغة باختصار لما تقدم يدور حول اﻹذابة والسيولة واﻻنصهار.
معناه في اﻻصطﻻح:
لم أظفر- حسب مطالعتي - بمن عرف هذا المصطلح من أهل الاختصاص مع كثرة استعماله لدى المعاصرين في كلامهم وكتاباتهم؛ خلا ماقاله شيخنا اﻷستاذ الدكتور ربيع المدخلي-حفظه الله-
فقد سئل-وفقه الله- عن معنى التمييع فأجاب بما نصه: " السؤال: نسمع كثيرا من فضيلتكم اصطلاح ( التمييع ) نرجو منكم بيان هذا المصطلح، و ما رأيكم فيمن يُنكر هذا الاصطلاح ؟
الجـواب: هذا ما هو اصطلاح، هذا كلمة عابرة تُقال ، لكن يُقصد بها: أن أناسا يأتوا إلـى أصول الإسلام يميعونها، و يرققونها ويهونون من شأنها بل يحاربونها، بارك الله فيك....( من شريط "هل الجرح و التعديل خاص برواة الحديث؟" ).
وكلام الشيخ - حفظه الله - في مكانه مع أنه لم يرد التعريف اﻻصطلاحي، وإنما مقصوده دﻻلة واستعمال هذه الكلمة.
و( التمييع )يمكن تعريفه اصطلاحاً من خلال استعمال أهل العلم من السلفيين له بما يأتي:
( مخالفة الكتاب والسنة ومنهج السلف، والليونة والميل والسهولة مع أهل البدع واﻷهواء بالسكوت عن بدعهم ومداهنتهم وعدم الرد عليهم والتقليل من خطرهم وفسادهم ).
وأحب هاهنا أن أؤكد على أمر ينير الدرب في التعامل مع المصطلحات الحادثة، وهو:
إن هذه المصطلحات الحادثة في العقيدة ليست على وتيرة واحدة حتى نعمها بحكم واحد، بل هي من حيث مضمونها ودلالتها ومغزاها على ثلاثة أقسام:
1- أن يكون اللفظ أو المصطلح صحيح المعنى والدلالة ، ويراد به حقٌ ، فهذا يقبل ولا يرد مثل: لفظ العقيدة ، وخبر الواحد ، ولازم القول والفعل، وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام و...
2- أن يكون اللفظ فاسد المعنى والدلالة ، ويراد به باطل ، فهذا يرد ولا يقبل ، مثل لفظ:
الاتحاد، ووحدة الوجود، والتشبيه، والثليث، والرجعة، والعصمة عند الشيعة؛ وإذا ذكر فلبيان فساده .
3- أن يكون اللفظ أو المصطلح محتملاً للحق والباطل والصحة والفساد فهذا لا يقبل بإطلاق ولايرد بإطلاق ، بل لابد فيه من التفسير والتفصيل فيقبل ما كان حقاً ، ويرد الباطل والفاسد وتحت هذا القسم يدخل جملة كبيرة من ألفاظ أهل الكلام وأهل الذوق من أهل هذه الملة، و ألفاظ حديثة مستوردة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله- كما في"مجموعة الرسائل والمسائل"(3/87) :
" وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها؛ فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول أقر به وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره.ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو جمال عبر بغيرها أو بين مراده بها، بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي، فإن كثيراً من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة، حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلاً عن أن يعرف دليله، ولو عرف دليله لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئاً بل يكون في قوله نوع من الصواب، وقد يكون هذا مصيباً من وجه، وقد يكون الصواب في قول ثالث ".
وعليه فلا ريب أن مصطلح (التمييع) من القسم اﻷول الذي ذكرناه وهو:
أن يكون اللفظ أو المصطلح صحيح المعنى والدلالة ، ويراد به حقٌ ، فهذا يقبل ولا يرد، و(ﻻ مشاحة في الاصطﻻح) كما يقال، ومن حاول جاهدا إنكار هذا المصطلح وإلصاقه بالحزبيين وأن سيد قطب هو من جاء به ونثره في مصنفاته وأطروحاته!!
نقول له: ﻻ ضير فسيد قطب استعمله لمراده في الباطل، ونحن لمرادنا في الحق، وهذا مشترك لفظي ﻻ يوجب النفور منه أو غمز بعض أهل السنة به ﻻستعمال بعض أهل البدع له.
قال شيخ اﻹسلام ابن تيمية-رحمه الله- كما في"مجموع فتاواه"(5/37) :
" وَلْيَعْلَمْ السَّائِلُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ ذِكْرُ أَلْفَاظِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ نَقَلُوا مَذْهَبَ السَّلَفِ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ قَوْلِهِ - مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ - يَقُولُ بِجَمِيعِ مَا نَقُولُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ ؛ وَلَكِنَّ الْحَقَّ يُقْبَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ ؛ وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ فِي كَلَامِهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ ؛ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ : اقْبَلُوا الْحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بِهِ ؛ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا - أَوْ قَالَ فَاجِرًا - وَاحْذَرُوا زيغة الْحَكِيمِ .
قَالُوا : كَيْفَ نَعْلَمُ أَنَّ الْكَافِرَ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ ؟ قَالَ : إنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا أَوْ قَالَ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ ".
وكثيرا ما نجد شيخ الإسلام -رحمه الله- ينهى عن الألفاظ المشتبهة التي يحصل بسببها الخلاف، و ما نحن بصدده ليس من ذلك القبيل البتة.
فيتأكد مما سبق أن هذا(المصطلح)ليس وليد من تأثّر بكتابات سيّد فقط، بل هناك من أهل العلم من كان سلفياً منذ بدايته و لم يتأثّر بسيّد وكتاباته البتة، ومع ذلك ذكر هذا المصطلح واعتمده، فمنهم على سبيل المثال ﻻ الحصر :
- الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- .
- الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله-.
- الشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله-.
- الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-.
- الشيخ أحمد النجمي -رحمه الله-.
- الشيخ صالح الفوزان-حفظه الله-.
و هذا الاصطلاح قد انتشر بين السلفيين و تداولوه أيما تداول، وكلّ من ردّ على سيّد قطب وبين ضلاله وانحرافه، قد استعمل هذا المصطلح بكثرة؛
وعلى رأسهم شيخنا الشيخ ربيع المدخلي-وفقه الله-، و غيرهم كثير.
فهو مصطلح جائز شائع بين قامات أهل العلم السلفيين -كما تقدم- ﻻ غضاضة فيه، وﻻ حرج منه، وﻻ تثريب على من استعمله البته، فاربعوا على أنفسكم يا من تحاولون جاهدين متعسفين إنكاره وذم القائلين به، والله الموفق والمعين.
وكتب/
د.خالد بن قاسم الردادي
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق