أول بدعة أحدثت في الإسلام !
ترك البكور إلى الجمعة أول بدعة أحدثت في الإسلام !
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.... وبعد:
فقد ثبت الترغيب في المبادرة إلى حضور الجمعة، لما في ذلك من الأجر الجزيل والثواب العظيم الشيء الذي ينبغي أن يحمل المسلم على الحرص على المبادرة إليها، فمن الأحاديث الصحيحة الدالة على هذا الترغيب حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: « مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ » أخرجه البخاري رقم(881)، ومسلم رقم(850).
قال ابن القيم -رحمه الله- في"زاد المعاد"(1/386) في توجيه اختصاص الجمعة بذلك :" لَمَّا كَانَ فِي الْأُسْبُوعِ كَالْعِيدِ فِي الْعَامِ، وَكَانَ الْعِيدُ مُشْتَمِلًا عَلَى صَلَاةٍ وَقُرْبَانٍ، وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ صَلَاةٍ، جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ التَّعْجِيلَ فِيهِ إِلَى الْمَسْجِدِ بَدَلًا مِنَ الْقُرْبَانِ، وَقَائِمًا مَقَامَهُ فَيَجْتَمِعُ لِلرَّائِحِ فِيهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الصَّلَاةُ، وَالْقُرْبَانُ ".
و قد دل الحديث علي استحباب التبكير إلى الجمعة في الساعة الأولى ، و قد اختلف الفقهاء في هذه الساعة علي ثلاثة أقوال ، ذكرها النووي -رحمه الله- في "شرح المهذب"(4/540)، قال :
" الأول : الصحيح عند المصنف و الأكثرين : من طلوع الفجر .
و الثاني : من طلوع الشمس . و به قطع المصنف في التنبيه ، و ينكر عليه الجزم به .
و الثالث : أن الساعات هنا لحظات لطيفة بعد الزوال ، و اختاره القاضي حسين و إمام الحرمين و غيرهما من الخراسانيين و هو مذهب مالك … ".
والبكور للجمعة من عادة السّلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ ، حتى قال الإمام أبو شامة المقدسي (ت 665 هــ)-رحمه الله -:
" وكان يرى في القرن الأول بعد طلوع الفجر، الطرقات مملوءة من الناس، يمشون في السرج، ويزدحمون فيها إلى الجامع، كأيّام العيد، حتى اندرس ذلك .
قيل : أوّل بدعة أحدثت في الإسلام : ترك البكور إلى الجمعة .[ "الباعث على إنكار البدع والحوادث"(ص97)، وينظر:"غرائب القرآن" للنيسابوري(6/301)].
وقد أنكر الإِمام مالك ـ رحمه الله ـ التبكير إلى الجمعة في أوّل النّهار،وردّه ابن القيم، وقال:
" قال الشافعي: ولو بكر إليها بعد الفجر، وقبل طلوع الشمس، كان حسناً.
وذكر الأثرم، قال: قيل لأحمد بن حنبل: كان مالك بن أنس يقول: لا ينبغي التهجير يوم الجمعة باكراً، فقال: هذا خلاف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " ["زاد المعاد"(1/403)].
فيستحب التبكير إلى صلاة الجمعة أول النهار، فالساعات الواردة في الحديث على هذا، من أول النهار، والمراد بها الساعات الفلكيّة
وكان السّلف الصالح يعاتبون أنفسهم عند تركهم التبكير أو قصورهم فيه.
عَنْ عَلْقَمَةَ ، قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَوَجَدَ ثَلاَثَةً قَدْ سَبَقُوهُ ، فَقَالَ : رَابِعُ أَرْبَعَةٍ، وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ ... » أخرجه ابن ماجه رقم(1094) بإسناد حسن .
فهذا حال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وهو مَن هو، يعاتب نفسه لسبق ثلاثة في التبكير للجمعة إيّاه، فما بالك في كثير من قومنا ـ إلا مَنْ رحم الله تعالى ـ لا يأتون إلا والإمام على المنبر، بل يأتي بعضهم مع الصلاة أو قبيلها بقليل ، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -:« فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا ـ أي الملائكة ـ صحفهم، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ »
أخرجه البخاري رقم(930).
وفي رواية لمسلم رقم(850):" فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ " .
وكأن ابتداء طي الصحف، عند إبتداء خروج الإِمام، وانتهاءه بجلوسه على المنبر، وهو أول سماعهم للذكر، والمراد به ما في الخطبة من المواعظ وغيرها.
[ ينظر:"القول المبين في أخطاء المصلين"(ص331-332) ].
فينبغي للمسلم أن يحرص على التبكير لحضور صلاة الجمعة ففي هذا من الخير العظيم؛ يصلي ما يسر الله من الركعات، يقرأ القرآن، يشتغل بالتسبيح، والتهليل والاستغفار فيه فوائد جمة في التبكير، فالسنة التبكير إليها لما في ذلك من الخير العظيم والفوائد الجمة، والله الموفق والمعين.
كتبه/ د. خالد بن قاسم الردادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق