الاثنين، 4 يوليو 2016

مسائل وفوائد في التهنئة بالعيد

كتبه/د. خالد بن قاسم الردادي

اولاً-  التهنئة في اللغة خلاف التعزية، يقال: هنأه بالأمر والولاية تهنئة وتهنيئا إذا قال له: ليهنئك وليهنيك، أو هنيئا، ويقال: هنأه تهنئة وتهنيا. والهنيء والمهنأ: ما أتاك بلا مشقة ولا تنغيص ولا كدر.
والهنيء من الطعام: السائغ، واستهنأت الطعام استمرأته [ينظر: "معجم مقاييس اللغة"(6/68)، ,"تاج العروس"(1/512)] .
وفي الاصطلاح: المباركة للشخص بخير أصابه، خلاف التعزية. ولا تخرج التهنئة - في الجملة - عن المعنى اللغوي، لكنها في مواطنها قد تكون لها معان أخص كالتبريك، والتبشير، والترفئة، وغير ذلك [ينظر: "معجم لغة الفقهاء"(ص149)، "الموسوعة الفقهية"(14/95)].
والتهاني -من حيث الأصل- من باب العادات ، والتي الأصل فيها الإباحة ، حتى يأتي دليل يخصها ، فينقل حكمها من الإباحة إلى حكم آخر.
قال العلامة السعدي -رحمه الله- مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات: " هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع ، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز ، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع ، أو تضمن مفسدة شرعية .."[ "المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي"(1/143)].

ثانياً- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في"مجموع الفتاوى"(24/253):"  وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا، وَلَا هُوَ أَيْضًا مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ ".
وسئل الشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: ما حكم المصافحة، والمعانقة والتهنئة بعد صلاة العيد؟
فأجاب بقوله:" هذه الأشياء لا بأس بها؛ لأن الناس لا يتخذونها على سبيل التعبد والتقرب إلى الله عز وجل، وإنما يتخذونها على سبيل العادة، والإكرام والاحترام، ومادامت عادة لم يرد الشرع بالنهي عنها فإن الأصل فيها الإباحة "["مجموع فتاواه"(16/209)].

ثالثاً-" التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ، الْأَئِمَّةُ، كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ "[ "مجموع الفتاوى"لابن تيمية (24/253)].

رابعاً- الآثار الواردة عن الصحابة والسلف في جواز التهنئة بالعيد:

  • عَن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي قَالَ: كُنَّا نأتي أَبَا أُمَامَة وواثلة بن الْأَسْقَع فِي الْفطر والأضحى ونقول لَهما: قبل الله منا ومنكم. فَيَقُولَانِ: ومنكم ومنكم.[أخرجه الطحاوي كما في"مختصر اختلاف العلماء"(4/385) بسند حسن].
  • -وفي كتاب "تحفة عيد الأضحى" لأبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي المستملي (ما أورده) بسند حسن عن جبير بن نفير -وهو من كبار التابعين، وذكر في الصحابة لأن له رؤية، وهو من رجال الصحيح - قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم.[ "جزء في التهنئة في الأعياد" لابن حجر(ص33)].
  • وأخرج الخلال في كتاب "العلل" عن حرب الكرماني عن إسحاق بن زاهر بسند حسن إلى عمرو السكسكي قال: رأيت عبد الله بن بسر المازني وخالد بن معدان وراشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير بن نفير يقول بعضهم لبعض في العيدين: تقبل الله منا ومنكم.
  • نقل أبو الوفاء بن عقيل في كتاب "الفصول" عن الإمام أحمد بن حنبل قال: إسناد حديث أبي أمامة جيد.
  • ونقل الشيخ موفق الدين ابن قدامة في "المغني" عن حرب قال: سئل أحمد عن قول الناس تقبل الله منا ومنك فقال: لا بأس به، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل له: وعن واثلة، قال: نعم.[ "جزء في التهنئة في الأعياد" لابن حجر(ص35)].
  • وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب قَالَ: كُنَّا نأتي مُحَمَّد بن سِيرِين وَالْحسن فِي الْفطر والأضحى فَنَقُول لَهما: قَبِلَ اللهُ مِنَّا ومنكم. فَيَقُولَانِ: ومنكم.[ "مختصر اختلاف العلماء"(4/385)].
  • وعَنْ أدْهَم مَوْلى عُمَر بن عبد العزيز، قَالَ: "كُنَّا نقُولُ لِعُمَرَ بنِ عبد العَزِيزِ في الْعِيدَيْنِ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنَّك، يا أمير المؤمنين. فلا يَنْكُر ذَلِكَ عَلينَا"[ أخرجه زاهر بن طاهر الشحّامي في"جزء تحفة عيد الفطر"رقم(51)، والبيهقي(3/319) بإسناد لابأس به].
  • وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: سَأَلْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ مُنْذُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً(يعني عن التهنئة )، فقَالَ: لَمْ يَزُلْ يُعْرَفُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ.[ "المغني"(2/296)، و"جزء في التهنئة في الأعياد" لابن حجر(ص40-41)].
  • وقال أبو بكر الآجري:"هو فعل الصحابة والعلماء"["جزء في التهنئة في الأعياد" لابن حجر(ص37)].
خامساً- المتعارف عليه أن التهنئة بالشئ تكون عند حصوله وحدوثه، فهل يهنئ بالعيد بعد رؤية الهلال أم بعد الفراغ من صلاة العيد؟
لم يرد عن السلف فعلهم للتهنئة قبل الصلاة، ولايوجد مايمنع وهو من باب العادات والأصل فيها الإباحة -كما سبق-، فالذي أراه أنه لاتثريب على من بادر بالتهنئة ليلة العيد عن طريق وسائل الاتصال فالباب في هذا واسع إن شاء الله تعالى.
وأما القول بأن من قدم التهنئة قبل العيد فقد خالف السنة، فلا يصح ولا وجه له لأن التهنئة ليست سنة مأمور بها -كما سبق نقله عن ابن تيمية- ولم يرد فيها شئ من السنة أصلاً.

سادساً- لا إشكال في التهنئة بالعيد والفرح والاجتماع بعد انتهائه ولو لأيام تأتي؛ لأن المقصود منه التودد وإظهار الفرح والسرور.
قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني(ت211هـ): وسألت معمراً(ت153هـ) عن صيام الست التي بعد يوم الفطر، وقالوا له: تصام بعد الفطر بيوم، فقال: "معاذ الله إنما هي أيام عيد وأكل وشرب، ولكن تصام ثلاثة أيام قبل أيام الغر، أو ثلاثة أيام الغر أو بعدها، وأيام الغر ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر". وسألنا عبد الرزاق: "عمن يصوم يوم الثاني؟ فكره ذلك، وأباه إباء شديداً". ["المصنف"(4/316)].
قال الشرواني الشافعي -رحمه الله- : "..لا تطلب – أي : التهنئة - في أيام التشريق وما بعد يوم عيد الفطر، لكن جرت عادة الناس بالتهنئة في هذه الأيام ولا مانع منه ; لأن المقصود منه التودد وإظهار السرور ، ويؤخذ من قوله يوم العيد أيضاً : أن وقت التهنئة يدخل بالفجر لا بليلة العيد خلافا ، لما في بعض الهوامش ا هـ ، وقد يقال : لا مانع منه أيضاً إذا جرت العادة بذلك ؛ لما ذكره من أن المقصود منه التودد وإظهار السرور ، ويؤيده ندب التكبير في ليلة العيد " [انتهى من: "حواشي الشرواني على تحفة المحتاج"(2/57)] .

 والله الموفق والمعين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق