تسميةآخر جمعة من رمضان بـ(الجمعة اليتيمة)!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...وبعد:
أولاً:
اطلاق لفظة(الجمعة اليتيمة) أو (جمعة الوداع) على آخر جمعة في رمضان مصطلح لا يُعرف في الشرع ، فهو مصطلح محدَث ، وكل ما حفَّه من صلوات مخصوصة أو احتفال مخصوص أو تذكير برسائل على شبكات التواصل خاصة به: محدث مثله .
والصحيح الثابت في الكتاب والسنة وآثار السلف وأقوال أهل العلم هو التأكيد على الفرائض التي فرض الله على عباده من صلاة وصيام وغير ذلك وجوبا ، والتأكيد على النوافل التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم استحباباً .
وما عدا ذلك مما أحدث الناس في دين الله فمحدث مردود .
ثانيا :
تنوعت صور المحدثات والبدع المتعلقة بهذه التسمية ، أو الفضيلة المخترعة ، وتفاوتت بتفاوت البلدان ؛ فمن ذلك :
1 - احتفال بعض الناس بما يسمونه بالجمعة اليتيمة وذلك بإرسال رسائل تذكيرية خاصة على شبكات التواصل أو عبر خطب الجمع؛ وكل هذا لا أصل له في الشرع ، وليس لآخر جمعة من رمضان خصوصية عن باقي أيامه ، ولا يتعلق بها شيء من أمر شفاء الأمراض ، كما يعتقدون في الجمعة اليتيمة، ولا شيء من خصوصيات العبادة كذلك . [ينظر:"البدع الحولية"(ص337)].
2- الصلاة التي يصليها طوائف من العوام والمبتدعة في آخر جمعة من رمضان ، يزعمون أنها تكفِّر إثم من فاتته صلوات مفروضة : فهذه صلاة مبتدعة لا أصل لها .
فقد سئل الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- :
هناك جماعة من الناس عندهم عادة في رمضان وهي صلاتهم الفروض الخمسة بعد صلاة آخر جمعة ويقولون : إنهاء قضاء عن أي فرض من هذه الفروض لم يصله الإنسان أو نسيه في رمضان ، فما حكم هذه الصلاة ؟ .
فأجاب :
"الحكم في هذه الصلاة : أنها من البدع ، وليس لها أصل في الشريعة الإسلامية ، وهي لا تزيد الإنسان من ربه إلا بُعداً ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار) فالبدع وإن استحسنها مبتدعوها ورأوها حسنة في نفوسهم : فإنها سيئة عند الله عز وجل ؛ لأن نبيه صلى الله عليه وسلم يقول : (كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار) وهذه الصلوات الخمس التي يقضيها الإنسان في آخر جمعة من رمضان : لا أصل لها في الشرع ، ثم إننا نقول : هل لم يخلَّ هذا الإنسان إلا في خمس صلوات فقط ؟! ربما أنه أخل في عدة أيام لا في عدة صلوات .
والمهم : أن الإنسان ما علم أنه مخلٌّ فيه : فعليه قضاؤه متى علم ذلك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) – متفق عليه - وأما أن الإنسان يفعل هذه الصلوات الخمس احتياطاً - كما يزعمون - : فإن هذا منكر ولا يجوز"["مجموع فتاوى الشيخ العثيمين"( 12 / 227 ، 228)].
3- يعتبر كثير من مسلمي الهند ( جمعة الوداع ) مناسبة دينية مهمة ، للاجتماع والالتقاء ، فيشدون رحالهم إلى المسجد الكبير ، ويجتمع أعداد غفيرة من المسلمين في هذه الجمعة .
وقد سبق أنه ليس لهذه الجمعة فضيلة مخصوصة ، ومن ظن ذلك واعتقده فقد أخطأ ، والواجب التزام حضور الجمع والجماعات كلما نودي بالصلاة ، وألا يتخلف عنها إلا أصحاب الأعذار .
4- ومن الامور المحدثة المتعلقة بوداع رمضان , مايفعله بعض الخطباء في آخر جمعة من رمضان ,من ندب فراقه كل عام , والحزن على مضيه ,وقوله : لا أحوش الله منك ياشهر كذا وكذا . ويكرر هذه الوحشيات مسجعات مرات عديدة ,
ومن ذلك قوله :لا أحوش الله منك ياشهر المصابيح ,لا أحوش الله منك ياشهر المفاتيح . فتأمل هدانا الله وإياك لما آلت إليه الخطب , لا سيما خطبة آخر هذا الشهر الجليل , الناس فيه بحاجة ماسة الى آداب يتعلمونها لما يستقبلهم من صدقه الفطر ,ومواساة الفقراء , والاستمرار على ما ينتجه الصوم من الأمور الفاضلة, والآثار الحميدة , وتجنب البدع وغير ذلك مما يقتضيه المقام. [ينظر:"إصلاح المساجد" (ص 145 , 146) و"السنن والمبتدعات"(ص165)].
5- من هذه الصور أيضا : ما يسميه البعض بـــ " صلاة الفائدة " ، وهي من الصلوات المبتدعة في هذه المناسبة .
سئل العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- : عن صلاة الفائدة وهي مائة ركعة ، وقيل أربع ركعات تصلى في آخر جمعة من رمضان ، فهل هذا القول صحيح ؟ وما حكم هذه الصلاة ؟
فأجاب: " هذا القول ليس بصحيح ، وليس هناك صلاة تسمى صلاة الفائدة ، وجميع الصلوات فوائد ، وصلاة الفريضة أكبر الفوائد ؛ لأن جنس العبادة إذا كان فريضة فهو أفضل من نافلتها .
وأما صلاة خاصة تسمى صلاة الفائدة : فهي بدعة لا أصل لها .
وليحذر المرء من أذكار وصلوات شاعت بين الناس وليس لها أصل من السنة ، وليعلم أن الأصل في العبادات الحظر والمنع ، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله بشيء لم يشرعه الله في كتابه ، أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومتى شك الإنسان في شيء أمن أعمال العبادة أو لا ؟ فالأصل أنه ليس بعبادة حتى يقوم دليل على أنه عبادة " ["مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (14/ 331)].
والله الموفق والمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق