الأحد، 10 يوليو 2016

تحذير العباد من اتخاذ المساجد أماكن للرقص والإنشاد!

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله تعالى قد بين وظيفة المسجد والهدف من بنائه، وما يشرع فيه من الأعمال، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور:36و37].
فالمساجد إنما بنيت ليعظم فيها الله بطاعته –جل وعلا- من أداء الصلوات وذكر الله بأنواع الذكر من التسبيح والتهليل والتحميد له سبحانه، آناء الليل وأطراف النهار؛ لذا كان المسجد معظماً في الإسلام، فكان لزاماً أن يحافظ عليه من الامتهان بالأوساخ، أو رفع الأصوات فيه بإنشاد الضالة أو الصخب أو اللهو الذي تنتهك به حرمة ذلك البيت المتميز عن غيره من البيوت.
بل حتى الشعر المجرد مع كونه مباحاً يكره الاكثار منه في بيوت الله؛ فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه:«نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الأَشْعَارِ فِي المَسْجِدِ، وَعَنِ البَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ فِيهِ، وَأَنْ يَتَحَلَّقَ النَّاسُ فِيهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» [أخرجه أبو داود رقم(1079)، والترمذي رقم(322)، والنسائي (2/ 47)، وابن ماجه رقم(749)و(1133). وحسّنه الترمذي، والنووي في"الخلاصة"(2/287)، وابن حجر في"الفتح"(1/549)، والألباني في"إرواء الغليل"(7/363)].
ومن المنكرات العظيمة مايفعله بعض الجهال من امتهان لقدسية ومكانة المسجاد وذلك باتخاذها مكاناً للهو واللغو والرقص والاحتفال خاصة في أيام الأعياد، ولا ريب أن هذا جرم عظيم ينافي مكانتها والقصد من بنائها وعمارها، فيجب معرفة قدرها وشرفها، وتعاهدها، وتطهريها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق بها.
فعن  عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "اجْتَنِبُوا اللَّغْوَ فِي الْمَسَاجِدِ"[أخرجه أحمد في"فضائل الصحابة" رقم(572)].
 وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "نهى الله سبحانه عن اللغو في المساجد". وقال قتادة -رحمه الله-: "المساجد أمر الله سبحانه وتعالى ببنائها وعمارتها ورفعها وتطهيرها" [ينظر:"تفسير ابن كثير"(10/242)].
ومما يصان منه المسجد إنشاد الشعر فيه إذا أدى إلى اللغط وارتفاع الأصوات، فإن ذلك منهي عنه كما جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ، أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ» [أخرجه مسلم رقم(432)].
ومن هيشات الأسواق: ارتفاع الأصوات واللغط، والإنشاد جماعة في المسجد داخل في هذا والله أعلم.[ينظر:"شرح مسلم" للنووي(4/156)].
قال القرطبي -رحمه الله-:"أما تناشد الأشعار فاختلف في ذلك، فمن مانع مطلقا، ومن مجيز مطلقا، والأولى التفصيل، وهو أن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء على الله -عز وجل- أو على رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو الذب عنهما كما كان شعر حسان، أو يتضمن الحض على الخير والوعظ والزهد في الدنيا والتقلل منها، فهو حسن في المساجد وغيرها، كقول القائل:
طوفي يا نفس كي أقصد فردا صمدا ... وذريني لست أبغي غير ربي أحدا
فهو أنسي وجليسي ودعي الناس ... فما إن تجدي من دونه ملتحدا
وما لم يكن كذلك لم يجز، لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزين بالباطل، ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهذر، والمساجد منزهة عن ذلك، لقوله تعالى:{في بيوت أذن الله أن ترفع}"["تفسير القرطبي"(12/271)].
وقال أبو الطيب الطبري – رحمه الله -:"ليس في المسلمين من جعله (تلحين الشعر) طاعة وقربى، ولا رأى إعلانه في المساجد، ولا حيث كان من البقاع الكريمة والجوامع الشريفة؛ فكان مذهب هذه الطائفة (الصوفية) مخالفاً لما أجمع عليه العلماء"["نزهة الأسماع"لابن رجب (ص: 84)].
وقال العز بن عبد السلام -رحمه الله-:"وأما الرقص و التصفيق فَخِفَّةٌ ورعونة، مُشْبِهَةٌ لرعونة الإناث، لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذّاب، كيف يتأتى الرقص المتَّزن بأوزان الغناء، ممن طاش لُبُّه وذهب قلبه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) متفق عليه. ولم يكن واحد من هؤلاء الذين يقلّدونهم يفعل شيئاً من ذلك.["قواعد الأحكام" (2/186)].
وقال الصنعاني -رحمه الله-: "وأما الرقص والتصفيق فشأن أهل الفسق والخلاعة لا شأن من يحب الله ويخشاه"["سبل السلام"(3/130_131)].
وقال الإمام شرف الدين إسماعيل بن المقري اليمني الشافعي في قصيدته في ذمّ الرقص:

قالوا: رَقصْنا كما الأُحْبوشُ قد رقصوا** بمسجد المصطفى، قُلنا: بلا كَذِبِ

الحُبْشُ ما رقصوا، لـكنهم لَعِبـوا** مِنْ آلـة الحَرْبِ بالآلات واليَلَبِ

وذلـك اللـعبُ منـدوبٌ تَعلُّمُه ** في الشرع للحرب تدريباً لكلّ غبي

[ينظر: رسالة "الرّهص والوقص لمستحلّ الرقص"(ص42)].

وختاماً: 
يجب على كل مسلم يحب الله، ويرجو عفوه ومغفرته، أن يمتثل أوامر الله ويجتنب نواهيه، وأن يعظم حرماته وشعائره، وأن يحافظ على المساجد من العبث فيها، وأذية المسلمين الخاشعين الراكعين الساجدين فيها، وأن يقطع كل وسائل الاتصالات بينه وبين الناس، وأن يتصل مع الله - جل وعلا - وذلك بمحافظته على الصلوات الخمس في المساجد مع الجماعة، مع العناية الشديدة بخشوعها، ولا يتأتى ذلك إلا بترك كل ما يشغل عن الله.

فالله الله في احترام المساجد وتعظيمها، وعدم أذية المسلمين العمار لها، وتربية أولادنا على ذلك وحب الصلاة، وحب المساجد وحب نظافتها وأن نبين لهم حرمة العبث والتخريب في المساجد والأذية فيها.

نسأل الله تعالى أن يعيننا على طاعته وذكره وحسن عبادته، والله الموفق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.

والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق