السبت، 16 يوليو 2016

& بطلان دعوى صاحب السند المتصل في صفة الوضوء!
كتبه/ د. خالد بن قاسم الردادي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...وبعد:
فقد سئلت عن مقطع فيديو انتشر كثيرا تناقله في بعض وسائل الاتصال لبعض الناس زعم ناشره أن من صُوِّر له المقطع لديه سند متصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين فيه كيفية صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-!!
وقد اطلعت على المقطع المذكور فألفيت عجبا وجهلا بالغاً  وأمورا مخالفة لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أوجزها فيما يأتي:
1- قد ذكر علماء الحديث في كتب الاصطلاح عند حديثهم عن بعض أنواع علوم الحديث وهو الحديث المسلسل أنَّ من الأحاديث المسلسلة بالأفعال الحديث المسلسل بالوضوء  وفيه: "قم فصب علي حتى أريك وضوء فلان". وهو حديث أخرجه الحاكم في"معرفة علوم الحديث"(ص30):
حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الزَّاهِدُ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُؤَمَّلِ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَاشِدٍ الْأَدَمِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْوَاسِطِيُّ خَادِمُ أَبِي مَنْصُورٍ الشَّنَابُزِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو مَنْصُورٍ: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ مَنْصُورٍ، فَإِنَّ مَنْصُورًا قَالَ لِي: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لِي: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ عَلْقَمَةَ، فَإِنَّ عَلْقَمَةَ قَالَ لِي: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِي: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: « قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ جَبْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ » ، فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ: كَيْفَ تَوَضَّأَ؟  قَالَ: ثَلَاثًا ثَلَاثًا . 
وإسناده حسن، وهو مختصر ليس فيه تفاصيل صفة الوضوء -كما في المقطع المذكور آنفاً-، وإنما اقتصر الراوي على ذكر العدد(ثلاثا ثلاثا)، والتسلسل فيه  بقول كل راو :"قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ..".
[ وينظر:"شرح التبصرة والتذكرة"(2/95)، و"فتح المغيث"(4/39)].
قال ابن الصلاح في"معرفة علوم الحديث"(ص379):"وقَلَّما تَسْلَمُ المسَلْسَلاتُ مِنْ ضَعْفٍ، أعْنِي: في وَصْفِ التَّسَلْسُلِ لا في أصلِ المتنِ".
ولا ريب أن  صاحب الوضوء المذكور في المقطع لايقصد هذا الحديث الذي ذكرته آنفا البتة، وإنما جاء بصفة من عنده -لم يبينها- لا أصل لها في كتب السنة!!
وليس في المقطع المذكور ذكر للرواية والاسناد  المتصل -المزعزم- ؛ وإنما صفة لوضوء لا دليل على أكثر تفاصيله! فلم التدليس !!!
كان يلزم هذا المتوضئ أن يتحفنا بسنده ومصدره حتى ننظر في صدق دعواه في اتصال السند من شيخه إلى منتهى السند بالصفة التي ساقها - كما زعم رافع المقطع -!! 
ويستحيل أن يختفي هذا الأمر على أهل الحديث -سابقهم ولاحقهم- ثم يظهره شخص مغمور لا يُعرف ليتحفنا بهذا!!
 فالسند صاحبه مجهول عن سلسلة مجاهيل على فرض وجودهم!!

2- صفة الوضوء التي ذكرها -وأطال فيها- من فرك للأعضاء وتخليل الماء بينها وضرب بقبضة اليد في باطن الأخرى وطريقة صب الماء... لا أصل له في كتب السنة، ولا أدري من أين جاء بهذا ؟! وفيها تكلف وتنطع وتعسف بالغ !!

3- قوله (غسل اليد وحدها أفضل من غسل الثنتين في وقت واحد ..وكونهما بست أفضل..) لادليل عليه!!

4- قوله(السواك مندوب وإن بأصبع)لا دليل عليه !

5- قوله (نسيت الاستنشاق ..نسيته وسأرجع إليه بعد هذا لأن الفرض لا يرجع منه إلى السنة) لادليل 

عليه، فكان عليه الرجوع من غير حرج !

6- يكثر من التهليل أثناء وضوئه وكأنه من سنن الوضوء! وهذا لا دليل عليه أيضاً.

7- مسحه لرقبته وأخذه ماءا جديدا لمسح بعض الرأس وللأذنين ، كل هذا  لم يثبت في السنة.

8- كشفه عن فخذه أثناء وضوئه يدل على جهله !!

9- رفع اليدين عند الذكر في نهاية الوضوء والذكر الذي قاله لا يثبت منه شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خلا حديث :"اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي" فقد أخرجه أحمد رقم(19574)، والنسائي في"اليوم والليلة"رقم(80) وهو حديث حسن، وصححه النووي في"الأذكار"(ص29).

9- صفة مسح الرأس للمرأة التي ذكرها لا تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يثبت بها نص.
 
وختاما فلاريب أن انتشار وتداول مثل هذه المقاطع والتي فيها كثير من المخالفات -كما سبق- يمثل خطرا على السنة وأهلها من قبل الصوفية ومن شاكلهم فهم يزعمون أمورا قد اختصوا بها دون غيرهم من الناس ينشرون من خلالها بدعهم وأباطيلهم مع افتتان كثير من العوام بمثل هذه الأمور والنظر لهم بالتعظيم والإجلال والسبق في لزوم السنة وهم أبعد الناس عنها ، وكل هذا لصرف الناس عن تعلم السنة ولزومها وإشغالهم بالبدع وفعل المخالفات فإلى الله الشكوى.
ومما يجدر التنبيه عليه أن يجب محاربة مثل هذه المقاطع وكشف مافيها من مخالفات للسنة حتى يحذر منها الناس ويموت ذكرها، نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، ويوفقنا للزوم كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق