الخميس، 19 مايو 2016

يامكاتب الاستقدام اتقوا الله في أهل المدينة!

يامكاتب الاستقدام اتقوا الله في أهل المدينة!

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:

لا ريب أن جلب الخادمات وعملهن في بيوت المسلمين فيه محاذير ومخالفات شرعية كثيرة ، وتزداد هذه المحاذير إذا كانت الخادمة غير مسلمة، وكم تسبب وجود الخادمات في كثير من المشكلات في بيوت المسلمين ، ووقع كثيرون في المعاصي الصغيرة والكبيرة بسبب ذلك ، فمنهن من يستعملن السحر لتثبيت وجودها في المنزل، أو لكف الأذى عنها ، ومنهن من توقع صاحب المنزل أو أبناءه في غرامها ، ومنهن من تتسبب بالأذى والضرر للأطفال الصغار سواء في أبدانهم أو في دينهم ، وهكذا في مفاسد يصعب حصرها.
وقد ابتلينا في هذه الأيام بدخول الخادمات غير المسلمات للمدينة النبوية عن طريق بعض مكاتب الاستقدام ممن لايعرفون للمدينة الشريفة قدرا ولا مكانة ولا حرمة ولا قداسة والله المستعان، ففتحوا بصنيعهم هذا باب شر وفساد عريض على أهل المدينة يتحملون تبعته ووزره إلى يوم القيامة!!
هذا مع أن الدولة -وفقها الله- منعت دخولهم وقامت بوضع لوحات على الطرق السريعة مكتوب عليها (طريق غير المسلمين) عند مداخل حرم المدينة، كل هذا حرصا على عدم دخول غير المسلمين المدينة! 
فما بال بعض هؤلاء التجار -لشدة جشعهم- لم يعبئوا ولم يراعوا حرمة للمدينة ولا قداسة وأمعنوا في إيذاء أهلها!
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ - يُرِيدُ الْمَدِينَةَ - أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ » أخرجه مسلم رقم(1386).
إن الواجب منع غير المسلمين من دخول المدينة النبوية!
فكيف بمن يبقيهم ويأويهم بحجة خدمته!!
أو ماوجد من المسلمين من يغنيه عن حاجته إلى هؤلاء حتى يقدم على فعله هذا دون رعاية لحرمة المدينة وعظيم مكانتها !!!
وقد دلت النصوص المتضافرة على بيان حرمة المدينة وأن حرمتها كحرمة مكة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ..» أخرجه البخاري رقم(2129)، ومسلم رقم(1360).
وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « المَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ »أخرجه البخاري رقم(1870)، ومسلم رقم(1370).
قَوْلُهُ: (أَوْ آوَى مُحْدِثًاَ)-بِكَسْر الدَّال- وَهُوَ من يَأْتِي بِفساد فِي الأَرْض. ["الديباج" للسيوطي(5/45)].
وقوله:(صرف ولا عدل): قال الأصمعي: الصرف التوبة والعدل الفدية،  وقيل: المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا وإن قبلت قبول جزاء.[ "شرح مسلم" للنووي(9/141)].
فإذا كان إيواء المحدث فيها مع إسلامه لا يجوز، فكيف بغير المسلم أصلاً !!
قال ابن بطال في"شرح البخاري"(10/350):"وإنما خصت المدينة بالذكر فى هذا الحديث؛ لأن اللعنة على من أحدث فيها حدثًا أشد والوعيد له آكد؛ لانتهاكه ما حذر عنه، وإقدامه على مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما كان يلزمه من تعظيم شأن المدينة التى شرفها الله بأنها منزل وحيه وموطن نبيه -صلى الله عليه وسلم-". 
ولا ريب أن على المسلم أن يمتثل لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله:" أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ". أخرجه البخاري رقم(3053)، ومسلم رقم(1637) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
قال في "عون المعبود"(8/191): "ظَاهِره أَنَّهُ يَجِب إِخْرَاج كُلّ مُشْرِك مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب سَوَاء كَانَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا" اهـ.

قال ابن قدامة في "المغني"(10/603):
" وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ سُكْنَى الْحِجَازِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: أَرَى أَنْ يُجْلَوْا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ كُلِّهَا... وَرَوَى أَبُو دَاوُد ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا... وَجَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ الْوَادِي إلَى أَقْصَى الْيَمَنِ... قَالَ الْخَلِيلُ: إنَّمَا قِيلَ لَهَا جَزِيرَةٌ، لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَالْفُرَاتَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهَا، وَنُسِبَتْ إلَى الْعَرَبِ، لِأَنَّهَا أَرْضُهَا وَمَسْكَنُهَا وَمَعْدِنُهَا، وَقَالَ أَحْمَدُ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا، يَعْنِي أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ سُكْنَى الْكُفَّارِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْيَمَامَةُ، وَخَيْبَرُ وَالْيَنْبُعُ وَفَدَكُ وَمَخَالِيفُهَا، وَمَا وَالَاهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ..." اهـ مختصرا.
وقال أيضاً (10/603):" ويجوز لهم دخول الحجاز للتجارة؛ لأن النصارى كانوا يتجرون إلى المدينة في زمن عمر رضي الله عنه وأتاه شيخ بالمدينة، فقال : أنا الشيخ النصراني ، وإن عاملك عَشَّرَني ( أي : أخذ مني العشر ) مرتين ، فقال عمر : وأنا الشيخ الحنيف ، وكتب له عمر : أن لا يُعَشِّروا في السنة إلا مرة ، ولا يؤذن لهم في الإقامة أكثر من ثلاثة أيام - على ما روي عن عمر رضي الله عنه - ثم ينتقل عنه ، وقال القاضي : يقيم أربعة أيام حد ما يتم المسافر الصلاة". 
وقال الإمام ابن باز -رحمه الله-:
" يجب أن يعلم أنه لا يجوز استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة لا من النصارى ولا من غير النصارى ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من هذه الجزيرة ، وهي المملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج ، كل هذه الدول داخلة في الجزيرة العربية فالواجب ألا يقر فيها الكفرة من اليهود ، والنصارى ، والبوذيين ، والشيوعيين ، والوثنيين ، وجميع من يحكم الإسلام بأنه كافر لا يجوز بقاؤه ولا إقراره في هذه الجزيرة ولا استقدامه إليها إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر كالضرورة لأمر عارض ثم يرجع إلى بلده ممن تدعو الضرورة إلى مجيئه أو الحاجة الشديدة إلى هذه المملكة وشبهها كاليمن ودول الخليج .
أما استقدامهم ليقيموا بها فلا يجوز بل يجب أن يكتفي بالمسلمين في كل مكان ، وأن تكون المادة التي تصرف لهؤلاء الكفار تصرف للمسلمين ، وأن ينتقى من المسلمين من يعرف بالاستقامة والقوة على القيام بالأعمال حسب الطاقة والإمكان ، وأن يختار أيضا من المسلمين من هم أبعد عن البدع والمعاصي الظاهرة ، وأن لا يستخدم إلا من هو طيب ينفع البلاد ولا يضرها ، هذا هو الواجب ، لكن من ابتلي باستقدام أحد من هؤلاء الكفرة كالنصارى وغيرهم فإن عليه أن يبادر بالتخلص منهم وردهم إلى بلادهم بأسرع وقت ..".["مجموع الفتاوى"(6/361)].
وسئل فضيلة الشيخ العلامة الفقيه ابن عثيمين -رحمه الله- السؤال التالي:
ما حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
فأجاب: "استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المُشاقَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، وفي صحيح مسلم أنه قال: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً". لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة.
وحيث قلنا: جائز، فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم، ومن المفاسد المترتبة على ذلك ما يخشى من محبتهم والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم، وفي المسلمين -ولله الحمد- خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق".[ "مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين" (3/42)].

والحاصل أنه لايجوز استقدام الخدم غير المسلمين للمدينة النبوية بحجة الحاجة فليس هناك حاجة أصلا لهذا .
علما بخطر وجود الخادمة النصرانية أو غيرها، وخصوصاً في مثل عصرنا، وأهل التربية يعلمون خطر وجود مثل هؤلاء.
فثبت بهذا أنه لايجوز الاحتجاج بترخص من ترخص ولاعبرة بقوله واختياره، فدخولهم ممنوع، ومن أدخلهم فهو مخالف وينكر عليه وليس له عذر البتة.
وختاما فعلى أصحاب مكاتب الاستقدام أن يتقوا الله ويراعوا حرمة وقداسة المدينة النبوية وأن لايكونوا معولا من معاول الهدم والفساد في المجتمع.
ونناشد المسؤولين أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ويمنعهوهم من المضي قدما في هذا الأمر، فـ(إن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن).
 والله الموفق والمعين. 

كتبه/ د. خالد بن قاسم الردادي
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية
24/2/1435هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق