& هل اختلف الصحابة -رضي الله عنهم- في العقيدة ؟!
لا ريب أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يختلفوا في العقيدة البتة؛ فعامة من كتب في أصول الاعتقاد كالإمام أحمد وغيره ؛ قد حضوا على وجوب التمسك بما كان عليه أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء بهم وترك البدع، وإليك جملة من النقول في تقرير هذا الأصل:
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: " من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا والله أفضل هذه الأمة وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم "[ ينظر تخريجه وبيان فقهه في كتابي "الكواكب النيرات" ].
وقال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: " كل عبادة لم يتعبَّدها أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- فلا تعبَّدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً؛ فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا بطريق من كان قبلكم" [ أخرجه أبوداود في "الزهد"(280) ].
قال العلامة السفاريني-رحمه الله- في"لوامع الأنوار البهية"(2/38): " فأحق الأمة بالصواب أبرها قلوباً وأعمقها علوماً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً، من غير شك ولا ارتياب فكل خير وإصابة وحكمة، وعلم ومعارف ومكارم، إنما عُرفت لدينا ووصلت إلينا من الرعيل الأول والسرب الذي عليه المعول، فهم الذين نقلوا العلوم عن ينبوع الهدى ومنبع الاهتداء".
وقال شيخ الإسلام-رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (6/394):
" وَأَمَّا الَّذِي أَقُولُهُ الْآنَ وَأَكْتُبُهُ - وَإِنْ كُنْت لَمْ أَكْتُبْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَجْوِبَتِي وَإِنَّمَا أَقُولُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَجَالِسِ - أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَات فَلَيْسَ عَنْ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافٌ فِي تَأْوِيلِهَا، وَقَدْ طَالَعْت التَّفَاسِيرَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَا رَوَوْهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَوَقَفْت مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكُتُبِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ تَفْسِيرٍ فَلَمْ أَجِدْ - إلَى سَاعَتِي هَذِهِ - عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ تَأَوَّلَ شَيْئًا مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ أَوْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ بِخِلَافِ مُقْتَضَاهَا الْمَفْهُومِ الْمَعْرُوفِ ؛ بَلْ عَنْهُمْ مِنْ تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَتَثْبِيتِهِ وَبَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ مَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْمُتَأَوِّلِينَ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ، وَكَذَلِكَ فِيمَا يَذْكُرُونَهُ آثِرِينَ وَذَاكِرِينَ عَنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا ".
وقال -أيضاً- في"مجموع الفتاوى"(19/274):
"وَهَكَذَا الْفِقْهُ إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ لِمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ بَيَانُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَقَعُ النِّزَاعُ فِي الدَّقِيقِ مِنْهُ وَأَمَّا الْجَلِيلُ فَلَا يَتَنَازَعُونَ فِيه، وَالصَّحَابَةُ أَنْفُسُهُمْ تَنَازَعُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي الْعَقَائِدِ وَلَا فِي الطَّرِيقِ إلَى اللَّهِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الرَّجُلُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْأَبْرَارِ الْمُقَرَّبِينَ ".
و قال -رحمه الله- في "منهاج السنة"(6/336):" والمقصود أن الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يقتتلوا قط، لاختلافهم في قاعدة من قواعد الإسلام أصلا، ولم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام: لا في الصفات، ولا في القدر، ولا في مسائل الأسماء والأحكام، ولا في مسائل الإمامة، لم يختلفوا في ذلك بالاختصام بالأقوال، فضلا عن الاقتتال بالسيف، بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه، نافين عنها تمثيلها بصفات المخلوقين ".
و قال الشاطبي -رحمه الله- في "الاعتصام"(2/191): "فإن الخلاف من زمن الصحابة إلى الآن واقع في المسائل الاجتهادية".
وأما ما استشكل في وقوع شيء من الخلاف في بعض المسائل مثل: رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء، فهي في الحقيقة ليست خلافاً في العقيدة وقد أجاب عن ذلك العلماء من بقولهم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: " وكذلك تنازع الصحابة في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء والمعراج، فهناك انفكاك في الجهة، فمن أثبت الرؤية أراد القلبية، ومن نفى أراد البصرية، والقولان متفقان".[منهاج السنة النبوية (6/328)]
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في"اجتماع الجيوش الإسلامية"(ص48): " وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي، في كتاب الرد له، إجماع الصحابة على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس -رضي الله عنهما- من ذلك، وشيخنا يقول: (أي ابن تيمية) ليس ذلك بخلاف في الحقيقة؛ فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه ".
وقال العلامة الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله - في "العقيدة الإسلامية وتاريخها"(ص56): "وأما المسلمون؛ فقد كانوا مجتمعين ومتفقين غير متفرقين في أصول دينهم، وقد مضى عصر الصحابة وهم على ذلك، لا يعرفون للاختلاف في العقيدة وأصول الدين معنى أبداً، بل كانوا أمة واحدة".
وسئل الشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- :" أحسن الله إليكم هل يحق لنا أن نقول : إن الصحابة قد اختلفوا في بعض مسائل العقيدة؟
فأجاب رعاه الله :" من قال هذا ،ما ذُكِر عن الصحابة اختلاف في العقيدة ابداً حاشا وكلا الذي يدعي انهم اختلفوا في شيء من العقيدة كذاب ".
و سئل أيضاً -كما في موقعه الرسمي-:
"أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة، وهذا سائل يقول: يقول بعض الناس: إن السلف اختلفوا في بعض مسائل العقيدة مثل: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج ، وأن هذا حصل بين الصحابة فهل هذا الكلام صحيح؟
فأجاب حفظه الله :ما هو في مسائل العقيدة مسائل العقيدة إثبات الرؤية في الجنة أن المؤمنين يرونه في الجنة أما في الدنيا لا يراه أحد و لا رآه موسى {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} هذا في الدنيا و لا هو بهذا اختلاف في العقيدة هذا اختلاف هل و وقعت الرؤية لأحد في الدنيا أو لم تقع ما هو باختلاف في العقيدة رؤية الله في الجنة هذه اتفق عليها أهل السنة و الجماعة ".
وقد سئل العلامة الشيخ صالح اللحيدان -حفظه الله-:
السؤال: أحسن الله إليكم سماحة الشيخ هنالك من يقرر ويقول: إن الصحابة اختلفوا في مسائل العقيدة فما حكم ذلك أفتونا مأجورين ؟
فأجاب الشيخ : أستغفر الله هذا لايقوله إلا مبتدعٌ ضال، يقول الصحابة اختلفوا!! الصحابة أهل عقيدة إذا وجد خلاف بينهم فإنما هو في بعض الأمور الاجتهادية في الأعمال وأما في أمور العقيدة بأن الله واحدٌ أحد أنه السميع البصير أنه الفعال لما يريد أنه الخلاق أنه خالق كل شيء المطلع على كل شيء، لا لن يختلفوا ولا يثير هذا الأمر إلا داعية فتنة إما انه يتستر في إدعائه أنه من أهل الخير قد يكون عرف خيراً وصار يتحدث بالخير الذي يعرفه ليوهن الناس وليجرهم إلى الباطل الذي يجنح إليه ويحرص على إشاعته إن كان من المغترين فليستغفر الله وليتب وليرجع إلى أهل العلم يسألهم وإن كان.. ممن يحب أن يخفي المقاصد ويغطي أهدافه فَليُفصح ليتوق الناس شره"[من محاضرة : "صفات الفرقة الناجية والطائفة المنصورة" ].
وقال الشيخ المحدث عبد المحسن العباد -حفظه الله- في "الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي"(ص137):" والصحابةُ -رضي الله عنهم- لَم يختلفوا في العقيدة، ومِثْل اختلاف عائشة وابن عباس -رضي الله عنهما- في رؤية النَّبِيِّ -صلى الله عليه و سلم- ربَّه ليلة المعراج لا يُعدُّ خلافاً في العقيدة؛ لدلالة الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة وإجماع أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله في الدار الآخرة ".
ومما تقدم يتبين لكل طالب سنة وأثر أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا أبداً في عقيدتهم وتوحيد ربهم وأن من قال ذلك فقد أخطأ عليهم وفي حقهم، والله الموفق والمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق