الخميس، 26 مايو 2016

& هل اختلف الصحابة -رضي الله عنهم- في العقيدة ؟!

لا ريب أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يختلفوا في العقيدة البتة؛ فعامة من كتب في أصول الاعتقاد كالإمام أحمد وغيره ؛ قد حضوا على وجوب التمسك بما كان عليه أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء بهم وترك البدع، وإليك جملة من النقول  في تقرير هذا الأصل:
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: " من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا والله أفضل هذه الأمة وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم "[ ينظر تخريجه وبيان فقهه في كتابي "الكواكب النيرات" ].
وقال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: " كل عبادة لم يتعبَّدها أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- فلا تعبَّدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً؛ فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا بطريق من كان قبلكم" [ أخرجه أبوداود في "الزهد"(280) ].
قال العلامة السفاريني-رحمه الله- في"لوامع الأنوار البهية"(2/38): " فأحق الأمة بالصواب أبرها قلوباً وأعمقها علوماً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً، من غير شك ولا ارتياب فكل خير وإصابة وحكمة، وعلم ومعارف ومكارم،  إنما عُرفت لدينا ووصلت إلينا من الرعيل الأول والسرب الذي عليه المعول، فهم الذين نقلوا العلوم عن ينبوع الهدى ومنبع الاهتداء". 
وقال شيخ الإسلام-رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (6/394):
" وَأَمَّا الَّذِي أَقُولُهُ الْآنَ وَأَكْتُبُهُ - وَإِنْ كُنْت لَمْ أَكْتُبْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَجْوِبَتِي وَإِنَّمَا أَقُولُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَجَالِسِ - أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَات فَلَيْسَ عَنْ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافٌ فِي تَأْوِيلِهَا، وَقَدْ طَالَعْت التَّفَاسِيرَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَا رَوَوْهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَوَقَفْت مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكُتُبِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ تَفْسِيرٍ فَلَمْ أَجِدْ - إلَى سَاعَتِي هَذِهِ - عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ تَأَوَّلَ شَيْئًا مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ أَوْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ بِخِلَافِ مُقْتَضَاهَا الْمَفْهُومِ الْمَعْرُوفِ ؛ بَلْ عَنْهُمْ مِنْ تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَتَثْبِيتِهِ وَبَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ مَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْمُتَأَوِّلِينَ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ، وَكَذَلِكَ فِيمَا يَذْكُرُونَهُ آثِرِينَ وَذَاكِرِينَ عَنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا ".
وقال -أيضاً- في"مجموع الفتاوى"(19/274):
"وَهَكَذَا الْفِقْهُ إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ لِمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ بَيَانُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَقَعُ النِّزَاعُ فِي الدَّقِيقِ مِنْهُ وَأَمَّا الْجَلِيلُ فَلَا يَتَنَازَعُونَ فِيه، وَالصَّحَابَةُ أَنْفُسُهُمْ تَنَازَعُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي الْعَقَائِدِ وَلَا فِي الطَّرِيقِ إلَى اللَّهِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الرَّجُلُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْأَبْرَارِ الْمُقَرَّبِينَ ".
و قال -رحمه الله- في "منهاج السنة"(6/336):" والمقصود أن الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يقتتلوا قط، لاختلافهم في قاعدة من قواعد الإسلام أصلا، ولم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام: لا في الصفات، ولا في القدر، ولا في مسائل الأسماء والأحكام، ولا في مسائل الإمامة،  لم يختلفوا في ذلك بالاختصام بالأقوال، فضلا عن الاقتتال بالسيف، بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه، نافين عنها تمثيلها بصفات المخلوقين ".
و قال الشاطبي -رحمه الله- في "الاعتصام"(2/191): "فإن الخلاف من زمن الصحابة إلى الآن واقع في المسائل الاجتهادية".
وأما ما استشكل في وقوع شيء من الخلاف في بعض المسائل مثل: رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء، فهي في الحقيقة ليست خلافاً في العقيدة وقد أجاب عن ذلك العلماء من بقولهم: 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: " وكذلك تنازع الصحابة في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء والمعراج، فهناك انفكاك في الجهة، فمن أثبت الرؤية أراد القلبية، ومن نفى أراد البصرية، والقولان متفقان".[منهاج السنة النبوية (6/328)]
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في"اجتماع الجيوش الإسلامية"(ص48): " وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي، في كتاب الرد له، إجماع الصحابة على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس -رضي الله عنهما- من ذلك، وشيخنا يقول: (أي ابن تيمية) ليس ذلك بخلاف في الحقيقة؛ فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه ".  
وقال العلامة الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله - في "العقيدة الإسلامية وتاريخها"(ص56): "وأما المسلمون؛ فقد كانوا مجتمعين ومتفقين غير متفرقين في أصول دينهم، وقد مضى عصر الصحابة وهم على ذلك، لا يعرفون للاختلاف في العقيدة وأصول الدين معنى أبداً، بل كانوا أمة واحدة".
وسئل الشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- :" أحسن الله إليكم هل يحق لنا أن نقول : إن الصحابة قد اختلفوا في بعض مسائل العقيدة؟
فأجاب رعاه الله :" من قال هذا ،ما ذُكِر عن الصحابة اختلاف في العقيدة ابداً حاشا وكلا الذي يدعي انهم اختلفوا في شيء من العقيدة كذاب ".
و سئل أيضاً -كما في موقعه الرسمي-:
"أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة، وهذا سائل يقول: يقول بعض الناس: إن السلف اختلفوا في بعض مسائل العقيدة مثل: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج ، وأن هذا حصل بين الصحابة فهل هذا الكلام صحيح؟
فأجاب حفظه الله :ما هو في مسائل العقيدة مسائل العقيدة إثبات الرؤية في الجنة أن المؤمنين يرونه في الجنة أما في الدنيا لا يراه أحد و لا رآه موسى {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} هذا في الدنيا و لا هو بهذا اختلاف في العقيدة هذا اختلاف هل و وقعت الرؤية لأحد في الدنيا أو لم تقع ما هو باختلاف في العقيدة رؤية الله في الجنة هذه اتفق عليها أهل السنة و الجماعة ".
وقد سئل العلامة الشيخ صالح اللحيدان -حفظه الله-:
السؤال: أحسن الله إليكم سماحة الشيخ هنالك من يقرر ويقول: إن الصحابة اختلفوا في مسائل العقيدة فما حكم ذلك أفتونا مأجورين ؟
فأجاب الشيخ : أستغفر الله هذا لايقوله إلا مبتدعٌ ضال، يقول الصحابة اختلفوا!! الصحابة أهل عقيدة إذا وجد خلاف بينهم فإنما هو في بعض الأمور الاجتهادية في الأعمال وأما في أمور العقيدة بأن الله واحدٌ أحد أنه السميع البصير أنه الفعال لما يريد أنه الخلاق أنه خالق كل شيء المطلع على كل شيء، لا لن يختلفوا ولا يثير هذا الأمر إلا داعية فتنة إما انه يتستر في إدعائه أنه من أهل الخير قد يكون عرف خيراً وصار يتحدث بالخير الذي يعرفه ليوهن الناس وليجرهم إلى الباطل الذي يجنح إليه ويحرص على إشاعته إن كان من المغترين فليستغفر الله وليتب وليرجع إلى أهل العلم يسألهم وإن كان.. ممن يحب أن يخفي المقاصد ويغطي أهدافه فَليُفصح ليتوق الناس شره"[من محاضرة : "صفات الفرقة الناجية والطائفة المنصورة" ].
وقال الشيخ المحدث عبد المحسن العباد -حفظه الله- في "الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي"(ص137):" والصحابةُ -رضي الله عنهم- لَم يختلفوا في العقيدة، ومِثْل اختلاف عائشة وابن عباس -رضي الله عنهما- في رؤية النَّبِيِّ -صلى الله عليه و سلم- ربَّه ليلة المعراج لا يُعدُّ خلافاً في العقيدة؛ لدلالة الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة وإجماع أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله في الدار الآخرة ".
ومما تقدم  يتبين  لكل طالب سنة وأثر أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا أبداً في عقيدتهم وتوحيد ربهم وأن من قال ذلك فقد أخطأ عليهم وفي حقهم، والله الموفق والمعين.
& جواز ذم أهل البدع والتحذير منهم !

كتبه: د. خالد بن قاسم الردادي.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...وبعد:
نبتت نابتة في أيامنا هذه من أهل السنة يتورعون عن ذم أهل البدع وسبهم والقدح فيهم؛ بل وصل الحال ببعضهم اعلان النكير على من سبهم أو ذمهم عملًا بأن اﻷصل في المسلم أن ﻻ يكون لعانًا وﻻ شتامًا، فهل استدﻻلهم هذا صحيح؟ وهل يمنع سب أهل البدع والهوى وذمهم بما فيهم أم ﻻ ؟ 
وللإجابة عن هذا -والذي أراه من آثار الغزو الفكري من قبل أهل البدع لأهل السنة-  نقول:
ﻻ ريب أن الأصل في المسلم أن لا يكون لعاناً ولا شتاماً، وأن يجتنب الطعن والفحش والبذاءة؛ لكن قد ثبت جواز سب وذم من تعزى بعزاء الجاهلية وفخرها وأن يشنع عليه بأقبح الألفاظ والأوصاف لعظم وقبح ما جاء به:
فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعَضَّهُ، وَلَمْ يُكَنِّهِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ، إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنَا: "إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فأَعِضُّوه بِهَنِ أَبِيهِ ولا تَكْنُوا".
أخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" 1/300-301، وأحمد (35/157) رقم (21233)، والبخاري في "الأدب المفرد" (963) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (976) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3204) و (3207) ، والشاشي (1499) ، والطبراني في "الكبير" (532) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (756) ، والبغوي (3541) ، والضياء في "المختارة" (1244)، وهو حديث حسن. صححه الألباني في"السلسلة الصحيحة"(1/537) رقم (268).
وقوله: (فأَعِضُّوه بِهَنِ أَبِيهِ ولا تَكْنُوا) أَيْ قُولوا لَهُ: اعْضَضْ بأيْرِ أبِيك، وَلَا تكْنُوا عَنِ الأيْر بالَهن، تَنْكيلاً لَهُ وتأدِيباً."النهاية"(3/252).
وكذلك جاء جواز لعن المبتدعة وسبهم وذمهم والقدح فيهم للتنفير من بدعتهم وبيان خطر وقبح ماهم عليه.
والأصل في لعن المبتدعة على وجه العموم قد دل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: 
« المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلًا » متفق عليه من حديث علي -رضي الله عنه- .
[ البخاري في كتاب الاعتصام، باب: ما يكره من التعمق( 7300)، ومسلم في كتاب الحج، باب: فضل المدينة (1370) ].
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في"الفتح"(12/279) : " الغرض بإيراد هذا الحديث هنا لعن من أحدث".
وجاء عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لعن المبتدعة فعن سعيد بن جهمان قال:" أتيت عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- وهو محجوب البصر، فسلمت عليه، فقال: من أنت؟ 
فقلت: أنا سعيد بن جهمان.
قال: فما فعل والدك؟
قلت: قتلته الأزارقه. 
فقال: لعن الله الأزارقة.    [ أخرجه ابن عاصم في السنة: 424 ]. 
وقال الآجري في"الشريعة"(2/702):" وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ سَبُّوا مَنْ تَكَلَّمَ بِالْقَدَرِ وَكَذَّبَ بِهِ، وَلَعَنُوهُمْ وَنَهَوْا عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ ".
وقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ فِي (تَارِيْخِهِ)-كما في"السير"(8/468)- : حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي السَّنَةِ الَّتِي أَخَذُوا فِيْهَا بِشْراً المَرِيْسِيَّ بِمِنَىً، فَقَامَ سُفْيَانُ فِي المَجْلِسِ مُغْضَباً، فَقَالَ:" لَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي القَدَرِ وَالاعْتِزَالِ، وَأُمِرْنَا بِاجْتِنَابِ القَوْمِ، رَأَيْنَا عُلَمَاءنَا، هَذَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَهَذَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ - حَتَّى ذَكَرَ أَيُّوْبَ بنَ مُوْسَى وَالأَعْمَشَ وَمِسْعَراً - مَا يَعْرِفُوْنَهُ إِلاَّ كَلاَمَ اللهِ، وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاَ كَلاَمَ اللهِ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ مَرَّتَيْنِ، فَمَا أَشْبَهَ هَذَا بِكَلاَمِ النَّصَارَى، فَلاَ تُجَالِسُوهُم ".
وَعَنْ حُسَيْنٍ الكَرَابِيْسِيِّ، قَالَ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: سَلْ عَنْ هَذَا حَفْصاً الفَرْدَ وَأَصْحَابَهُ أَخْزَاهُمُ اللهُ.     [  " حلية الأولياء ": 9 / 111 ].
قال ابن الجوزي :"وقد لعن أحمد بن حنبل من يستحق اللعن . فقال في رواية مسدد : قالت الواقفية الملعونة ، والمعتزلة الملعونة . 
وقال عبيد الله بن أحمد الحنبلي : سمعت أحمد بن حنبل يقول على الجهمية : لعنة الله ، وكان الحسن يلعن الحجاج ، وأحمد يقول : الحجاج رجل سوء "  [ "الآداب الشرعية" لابن مفلح(1/269) ].
وقَالَ الخَلاَّلُ -كما في"السير"(11/170)-: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ، قَالَ:حَضَرتُ العِيْدَ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَإذَا بِقَاصٍّ يَقُوْلُ: عَلَى ابْنِ أَبِي دُوَادَ اللَّعْنَةُ، وَحَشَا اللهُ قَبْرَهُ نَاراً.  فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا أَنْفَعَهُم لِلعَامَّةِ!
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ السُّنِّيُّ: سَمِعْتُ النَّسَائِيَّ يُسْأَلُ عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ(بنِ المَرْزُبَانِ)، فَقَالَ: قَبَّحَهُ اللهُ، ثَلاَثاً. [ "السير"(12/349) ].
ونختم بقصيدة رائعة للإمام السَّلَفي الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السِّلَفِي  فيها ما يكفي ويشفي، قال -رحمه الله-:
فلا تصحب سوى السني ديناً = لتحمد ما نصحتك في المآل
وجانب كل مبتدع تراه = فما إن عندهم غير المحال
ودع آراء أهل الزيغ رأساً = ولا تغررك حذلقة الرُّذال
فليس يدوم للبدعي رأي = ومن أين المقر لذي ارتحال
يوافى حائراً في كل حالٍ = وقد خلى طريق الاعتدال
ويترك دائباً رأياً لرأيٍ = ومنه كذا سريع الإنتقال
وعمدة ما يدين به سفاهاً = فأحداث من اْبواب الجدال
وقول أئمة الزيغ الذي لا = يشابهه سوى الداء العضال
كمعبد (المضلل) في هواه = وواصل اْو كغيلان المحال
وجعدٍ ثم جهمٍ وابن حربٍ = (حمير) يستحقون المخال
(وثور كاسمه أو شئت فاقلب) = وحفص الفرد (قرد) ذي افتعال
وبشر لا رأى بُشرى فمنه = تولّد كل شر واختلال
وأتباع ابن كُلاَّب (كِلاب) = على التحقيق هم من شر آل
كذاك أبو الهذيل وكان مولى = لعبد القيس قد شان الموالي
ولا تنس ابن أشرس المكنّى = أبا معن ثمامة فهو (غالي)
ولا ابن الحارث البصري ذاك الـ = (مضِل) على اجتهاد واحتفال
ولا الكوفي أعنيه ضرار بـ = ـن عمرو فهو للبصري تالي
كذاك ابن الأصم ومن قفاه = من (اْوباش) البهاشمة النغال
وعمرو هكذا أعني ابن بحر = وغيرهمُ من (أصحاب الشمال)
فرأي أُولاء ليس يفيد شيئاً = سوى الهذيان من قيل وقال
وكل هوىً ومحدثة ضلال = ضعيف في الحقيقة كالخيال
فهذا ما أدين به إلهي = تعالى عن شبيه أو مثال
وما نافاه من خُدعٍ وزور = ومن بدع فلم يخطر ببالي
["السير" ( 21/34-36 )، وينظر أيضاً في التحذير من أهل البدع بأعيانهم رسالة السجزي في "الرد على من أنكر الحرف والصوت "( ص: 220-223 ) ].
قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: 
"فإن توقير صاحب البدعة مظنّة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنّه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنّة على سنّتهم.
والثانية: أنّه إذا وُقِّرَ من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء.وعلى كل حـال فتحيا البـدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه."       [ "الاعتصام" للشاطبي ( 1/114 ) ].
وقال العلامة مقبل الوادعي-رحمه الله-:" وصدق ربنا إذ يقول في كتابه الكريم:﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾[سورة الحـج/الآية:18]إذا أهان الله شخصاً لو نفخته الإذعات وكذلك أيضاً الصحافة أو غيرها ما نفعه ذلك وصار كلام الإذاعات والصحافة وبقية وسائل الإعلام صار نباحاً وقد ألح علي في الرد على القرضاوي مراراً حتى سمعت ما لا يجوز أن يسكت عنه فبدأت بهذه السلسلة الأولى وننصح الإخوة أن من كان لديه كلام أو صحيفة فيما يتعلق بالقرضاوي فليرسلها إلينا وسميت الرد:"إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي"!
سيقول بعض الحزبيين: "عالم من العلماء وسميته كلباً عاوياً! أما هذه فكبيرة يا أبا عبد الرحمن عالم من العلماء! ومفتي قطر!"
اسمعوا إلى قول الله عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ¤وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ [سورة الأعراف/الآية:175-176] ويقول: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [سورة الجمعة/الآية:5] ويقول: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ¤ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾ [سورة الأنفال/الآية:22-23] " اهـ
[رد على القرضاوي" إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي"(ص5) ط-دار الآثار-صنعاء ].
وبالجملة فلو رحت أذكر نقول السلف وأهل العلم في جواز هذا لطال المقام وحسبي ماذكرت ففيه كفاية وغنية لمن رام الحق ولزم السنة، ومما تقدم يتبين أن أمور الجاهلية وأمور الإحداث تحتاج إلى شدة على مرتكبيها حتى تزول وتندثر وفي هذا خير كبير، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(28/53-54):" إن المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة؛ لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين ".
 فاربعوا على أنفسكم يا أرباب الورع البارد الكاذب فلم نر غيرة كثير منكم حينما نيل من قامات أهل السنة وأساطينها في عصرنا هذا من قبل رؤس البدع والهوى والزيغ، بينما نراها بيَّنة عند التحذير والقدح في رؤوس أهل البدع والتحزب في زماننا هذا !!
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به.

السبت، 21 مايو 2016

بسم الله الرحمن الرحيم
🔹علل أحاديث ليلة النصف
من شعبان وبيان شدة ضعفها


كتبه:  د عبد الباري بن حماد الأنصاري📝

🔴 الحديث الأول:
أخرجه ابن ماجه (1390)، والبالسي في جزئه (82)،  وابن عساكر في تاريخ دمشق (18 / 326) من طريق أبي الأسود النضر بن عبدالجبار قال: حدثنا ابن لهيعة، عن الزبير بن سليم، عن الضحاك بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل الله عز وجل ليلة النصف من شعبان إلى سماءِ الدنيا فيغفرُ لكلِّ مسلمٍ إلا لمشرك أو مُشاحِن.
🔺وهذا إسناد ضعيف جدا لثلاث علل:
1ـ جهالة عين  الزبير بن سُليم. قال الحافظ الذهبي: شيخ لا يعرف، ما روى عنه غير ابن لهيعة حديثه في نزول ليلة النصف.  ميزان الاعتدال (2 / 67)
2ـ ضعف ابن لهيعة نفسه، فهو مشهور أن في حديثه ضعفا، خصوصا في غير رواية العبادلة عنه.
3ـ أنه اضطرب في روايته:
فمرة يرويه عن الزبير بن سُليم كما تقدم.
ومرة يرويه عن الضحاك بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
🔻ومرة يرويه عن  الضحاك بن أيمن، عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري.
ولم يقل عن أبيه.
أخرجه ابن ماجه (1390) من طريق الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة به.
والضحاك بن أيمن هو الكلبي، قال الحافظ  الذهبي: شيخ لابن لهيعة، لا يُدري من ذا، له في ليلة نصف شعبان. ميزان الاعتدال (2 / 322)

🔴الحديث الثاني:
أخرجه الإمام أحمد (26018)، والترمذي (739)، وابن ماجه (1389) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة  قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع فقال: «أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله» ، قلت: يا رسول الله، إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: «إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب».
📌 قال الترمذي: «حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج» ، وسمعت محمدا يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير ".
🔸وهذا أيضا شديد الضعف لثلاث علل:
1ـ  الانقطاع بين يحيى بن أبي كثير وعروة بن الزبير فإنه لم يسمع منه.
2ـ الانقطاع بين الحجاج بن أرطاة ويحيى بن أبي كثير  فإنه لم يسمع منه.
3ـ ضعف الحجاج بن أرطاة فإنه سيء الحفظ.
   🔹وروي من أوجه أخرى من حديث عائشة رضي الله عنها:
أـ أخرجه البيهقي في الدعوات الكبير (530) من طريق  خلف بمن محمد، حدثنا صالح بن محمد، محمد بن عباد حدثني حاتم بن إسماعيل المدني، عن نضر بن كثير، عن يحيى بن سعد، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، رضي الله عنها في حديث طويل فيه: هل تدرين ما في هذه الليلة؟ قالت: ما فيها يا رسول الله؟ فقال: فيها أن يكتب كل مولود من مولود بني آدم في هذه السنة، وفيها أن يكتب كل هالك من بني آدم في هذه السنة، وفيها ترفع أعمالهم، وفيها تنزل أرزاقهم"، فقالت: يا رسول الله، ما أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله؟ فقال: "ما من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله". قلت: ولا أنت يا رسول الله؟ فوضع يده على هامته، فقال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة" يكررها ثلاث مرات.
وإسناده ضعيف جدا:
فيه: خلف بن محمد الخيام البخاري، أبو صالح،.قال أبو يعلى الخليلى: خلط، وهو ضعيف جدا، روى متونا لا تعرف. الإرشاد ("المنتخب منه" 3/ 972)، وميزان الاعتدال (1/ 662)
🔺ب ـ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 385 : 3557) من طريق ابن ابي كريمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي فلما كان في جوف الليل فقدته ..
وابن أبي كريمة هو سليمان بن أبي كريمة قال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير. الكامل في ضعفاء الرجال (3/ 262)
🔻ج ـ أخرجه البيهقي في فضائل الأوقات (27)، والدعوات (531) من طريق سعيد بن عبدالكريم الواسطي عن أبي النعمان السعدي عن أبي الرجاء العطاردي عن أنس بن مالك، عن عائشة رضي الله عنها.
وفيه قال: يا حميراء أما تعلمين أن هذه الليلة ليلة النصف من شعبان إن لله في هذه الليلة عتقاء من النار بقدر شعر غنم كلب. قلت: يا رسول الله وما بال شعر غنم كلب؟ قال: لم يكن في العرب قبيلة قوم أكبر غنما منهم، لا أقول ستة نفر: مدمن خمر، ولا عاق لوالديه، ولا مصر على زنا، ولا مصارم، ولا مضرِّب، ولا قتات.
📌وإسناده ضعيف جدا: فيه سعيد بن عبد الكريم. قال الأزدي: متروك. ميزان الاعتدال (2/ 149)
وفيه أبو النعمان السعدي فيما يظهر أنه المعني بقول البيهقي: في هذا الإسناد بعض من يُجهل. الدعوات (2/149)

🔴الحديث الثالث:
أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية للدارمي (136)، والبزار في مسنده (1 / 206) وأحمد بن علي المروزي في مسند الصديق (104) من طريق عبد الملك بن عبد الملك، عن مصعب بن أبي ذئب، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن أبيه، أو عن عمه، عن جده أبي بكر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان، فيغفر لكل نفس إلا مشرك بالله ومشاحن».
🔺وإسناده ضعيف جدا أيضا:
قال ابن عدي: عبد الملك بن عبد الملك معروف بهذا الحديث ولا يرويه عنه غير عمرو بن الحارث وهو حديث منكر بهذا الإسناد. الكامل في ضعفاء الرجال (5/ 309)
وقال أبو حاتم الرازي عن رجال إسناده: لا يُعرف منهم إلا القاسم بن محمد.
وقال الإمام البخاري: عبد الملك بن عبد الملك عن مصعب بن أبى ذئب عن القاسم عن ابيه، روى عنه عمرو بن الحارث، فيه نظر، حديثه في أهل المدينة. التاريخ الكبير (5/ 424)
وقال البزار في مصعب بن أبي ذئب: لا نعلمه سمع من القاسم وليس بالمعروف ونسبه في روايته فهريا.  لسان الميزان ت أبي غدة (5/ 269)
وقال ابن حبان: عبد الملك بن عبد الملك: عن مصعب بن أبى ذئب: يروى عن القاسم عن أبيه، روى عنه عمر بن الحارث، منكر الحديث جدا، يروى ما لا يتابع عليه، فالأولى في أمره ترك ما انفرد به من الاخبار.  المجروحين - ابن حبان (2/ 136)
وقال العقيلي بعد أن أخرجه: وفى النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين، والرواية في النزول في كل ليلة أحاديث ثابتة صحاح، فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء الله. الضعفاء(3 / 29)

🔴 الحديث الرابع:
أخرجه ابن ماجه (1388) من طريق ابن أبي سبرة، عن إبراهيم بن محمد، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا، حتى يطلع الفجر ".
🔹قال البوصيري: فيه ابن أبي سبرة واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة قال أحمد وابن معين يضع الحديث. مصباح الزجاجة (2/ 10(

🔴الحديث الخامس:
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (3 / 981 :1702) من طريق إبراهيم بن عمر الأنباري، أنه سمع الوضين بن عطاء، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر الذنوب لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن وله في تلك الليلة عتقاء عدد شعر مسوك غنم كلب» . قال إسحاق: فسره الأوزاعي أن المشاحن المبتدع الذي يفارق أمة.
💫ضعيف جدا لعلتين:
1ـ أنه معضل فالوضين بن عطاء هو الدمشقى من الذين عاصروا صغار التابعين، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم رجلان على الأقل.
2ـ إبراهيم بن عمرو أو عمر الصنعاني من صنعاء دمشق، يروي عن الوضين قال الحافظ ابن حجر: مستور. يعني مجهول الحال. تهذيب الكمال (2/ 160) وتقريب التهذيب (224)

فاجتماع الإعضال والجهالة يشتد بهما ضعف الحديث.

🔴 الحديث السادس:
حديث كثير بن مرة - أحد التابعين -: إن الله يطلع ليلة النصف من شعبان إلى العباد فيغفر لأهل الأرض إلا رجل مشرك أو مشاحن.
وأكثر ما يروى من طريق مكحول عنه وهو حديث مضطرب الإسناد جدا:
رُوي: من قول كثير بن مرة غير مرفوع. كما عند عبد الرزاق في المصنف (7923).
ومرة: عنه مرفوعا كما في مصنف عبدالرزاق (7924)، و ابن أبي شيبة (29859).
ومرة كثير بن مرة عن عوف بن مالك مرفوعا. وفي إسناده ضعيفان. مسند كما في مسند البزار (7/ 186)
ومرة: كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل مرفوعا.
كما في مسند الشاميين (1/ 130 : 205).
ومرة: عن كثير بن مرة عن يزيد بن جارية مرفوعا. كما في معجم الصحابة لابن قانع (3/ 227)
ومرة: عن كثير بن مرة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا. كما في أخبار مكة للفاكهي (3/ 85 :1839)
📌 وأخرجه ابن حبان في صحيحه (5665)، والطبراني في المعجم الأوسط (6776)   من طريق أبي خليد عتبة بن حماد، عن الأوزاعي، وابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن».
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي، وابن ثوبان إلا أبو خليد عتبة بن حماد، تفرد به عن الأوزاعي: هشام بن خالد "
🔹وقال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر بهذا الإسناد، لم يرو بهذا الإسناد غير أبي خليد، ولا أدري من أين جاء به! قال ابن أبي حاتم: ما حال أبي خليد؟ قال: شيخ.  العلل (5 / 322)
🌿  قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: «لم أدرك أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان , ولم ندرك أحدا منهم يذكر حديث مكحول , ولا يرى لها فضلا على ما سواها من الليالي». البدع لابن وضاح (ص 92)

🔴 الحديث السابع:
أخرجه البزار في مسنده (16 / 161 :9268) والخطيب في تاريخ بغداد (16 / 416)  من طريق عبد الله بن غالب حدثنا هشام بن عبدالرحمن عن الأعمش عن أبي صالح , عن أبي هريرة رضي الله عنه , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن.
🔺إسناده منكر، لتفرد مجهول بإسناد من أصح الأسانيد.
هشام بن عبدالرحمن مجهول.
والراوي عنه عبد الله بن غالب هو العبادانى، مجهول الحال قال الحافظ ابن حجر: مستور .

🔴 الحديث الثامن:
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5 / 362 :3555) والحسن الخلال في المجالس العشرة الأمالي من طريق جامع بن صبيح الرملي، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز، عن داود بن عبدالرحمن، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى مناد: هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه فلا يسأل أحد شيئا إلا أُعطي إلا زانية بفرجها، أو مشرك"
وهذا منكر لتفرد جامع بن صبيح به من هذا الوجه مع ضعفه، أو جهالته.
انظر: لسان الميزان (2 / 93)
وحديث هشام بن حسان، عن الحسن فيه مقال لكونه يرسل عنه وعن عطاء.
والحسن مدلس وقيل: لم يسمع من عثمان بن أبي العاص. تهذيب الكمال (19/409)

🔴 الحديث التاسع:
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (7927) قال: وأخبرني من سمع البيلماني يحدث عن أبيه، عن ابن عمر قال: "خمس ليال لا ترد فيهن الدعاء: ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتي العيدين "
🔹وإسناده ضعيف جدا أيضا:
1ـ محمد بن عبد الرحمن ابن البيلمانى الكوفى منكر حديث واتهمه بعض النقاد.
2ـ أبو عبد الرحمن ابن البيلمانى المدنى ضعيف أيضا.
3ـ الجهالة بالواسطة بين ابن البيلماني وعبدالرزاق.

🔴الحديث العاشر:
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (22 / 223 : 590)
من طريق الأحوص بن حكيم، عن حبيب بن صهيب، عن مكحول، عن أبي ثعلبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع الله على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه»
🔸وإسناده ضعيف جدا، فإن الأحوص بن حكيم قال الساجي: ضعيف عنده مناكير.
وحبيب بن صهيب مجهول
قال الدارقطني عن هذا الحديث: مضطرب، غير ثابت. العلل (6 / 323)

🔴 الحديث الحادي عشر:
أخرجه الحسن الخلال في "المجالس العشرة الأمالي" (الحديث3) من طريق عبدالعزيز بن موسى، عن سيف بن محمد الثوري، عن الأحوص بن حكيم، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يهبط الله عز وجل إلى سماء الدنيا إلى عباده في ليلة النصف من شعبان، فيطلع إليهم، فيغفر لكل مؤمن ومؤمنة، وكل مسلم ومسلمة، إلا كافرا أو كافرة، أو مشركا أو مشركة، أو رجلا بينه وبين أخيه مشاحنة، ويدع أهل الحقد لحقدهم».
📌إسناده موضوع فيه سيف بن محمد الثوري متهم بوضع الحديث.
💠 الخلاصة:
يتبين مما سبق أن أحاديث فضل ليلة النصف من شعبان شديدة الضعف، ومع تعددها لا يتقوى بعضها ببعض لكونها من رواية المتهمين، أو المجهولين، أو لنكارتها، أو لتعدد  أسباب الضعف فيها.
💠   من كلام العلماء حول ليلة النصف من شعبان:
قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم - وهو من أتباع التابعين -: «لم أُدرك أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان, ولم ندرك أحدا منهم يذكر حديث مكحول, ولا يرى لها فضلا على ما سواها من الليالي». البدع لابن وضاح (ص 92)
🔲  وقال ابن دحية: قال أهل التعديل والتجريح: وليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح. فتحفظوا عباد الله من مفتر يروي لكم حديثا يسوقه في مَعرِض الخير، واستعمالُ الخير ينبغي أن يكون مشروعا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا صح أنه كذِبٌ خرج من المشروعية، وكان مستعملُه من خَدَمة الشيطان، لاستعماله حديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنزل الله به من سلطان. ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان (1 / 43)
🌿   وقال الشيخ الوالد رحمه الله: لم يثبت في قيامها وصيامها بعينها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم. اتحاف الخلان (ص13).
     والله تعالى أعلم

الخميس، 19 مايو 2016

يامكاتب الاستقدام اتقوا الله في أهل المدينة!

يامكاتب الاستقدام اتقوا الله في أهل المدينة!

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:

لا ريب أن جلب الخادمات وعملهن في بيوت المسلمين فيه محاذير ومخالفات شرعية كثيرة ، وتزداد هذه المحاذير إذا كانت الخادمة غير مسلمة، وكم تسبب وجود الخادمات في كثير من المشكلات في بيوت المسلمين ، ووقع كثيرون في المعاصي الصغيرة والكبيرة بسبب ذلك ، فمنهن من يستعملن السحر لتثبيت وجودها في المنزل، أو لكف الأذى عنها ، ومنهن من توقع صاحب المنزل أو أبناءه في غرامها ، ومنهن من تتسبب بالأذى والضرر للأطفال الصغار سواء في أبدانهم أو في دينهم ، وهكذا في مفاسد يصعب حصرها.
وقد ابتلينا في هذه الأيام بدخول الخادمات غير المسلمات للمدينة النبوية عن طريق بعض مكاتب الاستقدام ممن لايعرفون للمدينة الشريفة قدرا ولا مكانة ولا حرمة ولا قداسة والله المستعان، ففتحوا بصنيعهم هذا باب شر وفساد عريض على أهل المدينة يتحملون تبعته ووزره إلى يوم القيامة!!
هذا مع أن الدولة -وفقها الله- منعت دخولهم وقامت بوضع لوحات على الطرق السريعة مكتوب عليها (طريق غير المسلمين) عند مداخل حرم المدينة، كل هذا حرصا على عدم دخول غير المسلمين المدينة! 
فما بال بعض هؤلاء التجار -لشدة جشعهم- لم يعبئوا ولم يراعوا حرمة للمدينة ولا قداسة وأمعنوا في إيذاء أهلها!
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ - يُرِيدُ الْمَدِينَةَ - أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ » أخرجه مسلم رقم(1386).
إن الواجب منع غير المسلمين من دخول المدينة النبوية!
فكيف بمن يبقيهم ويأويهم بحجة خدمته!!
أو ماوجد من المسلمين من يغنيه عن حاجته إلى هؤلاء حتى يقدم على فعله هذا دون رعاية لحرمة المدينة وعظيم مكانتها !!!
وقد دلت النصوص المتضافرة على بيان حرمة المدينة وأن حرمتها كحرمة مكة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ..» أخرجه البخاري رقم(2129)، ومسلم رقم(1360).
وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « المَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ »أخرجه البخاري رقم(1870)، ومسلم رقم(1370).
قَوْلُهُ: (أَوْ آوَى مُحْدِثًاَ)-بِكَسْر الدَّال- وَهُوَ من يَأْتِي بِفساد فِي الأَرْض. ["الديباج" للسيوطي(5/45)].
وقوله:(صرف ولا عدل): قال الأصمعي: الصرف التوبة والعدل الفدية،  وقيل: المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا وإن قبلت قبول جزاء.[ "شرح مسلم" للنووي(9/141)].
فإذا كان إيواء المحدث فيها مع إسلامه لا يجوز، فكيف بغير المسلم أصلاً !!
قال ابن بطال في"شرح البخاري"(10/350):"وإنما خصت المدينة بالذكر فى هذا الحديث؛ لأن اللعنة على من أحدث فيها حدثًا أشد والوعيد له آكد؛ لانتهاكه ما حذر عنه، وإقدامه على مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما كان يلزمه من تعظيم شأن المدينة التى شرفها الله بأنها منزل وحيه وموطن نبيه -صلى الله عليه وسلم-". 
ولا ريب أن على المسلم أن يمتثل لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله:" أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ". أخرجه البخاري رقم(3053)، ومسلم رقم(1637) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
قال في "عون المعبود"(8/191): "ظَاهِره أَنَّهُ يَجِب إِخْرَاج كُلّ مُشْرِك مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب سَوَاء كَانَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا" اهـ.

قال ابن قدامة في "المغني"(10/603):
" وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ سُكْنَى الْحِجَازِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: أَرَى أَنْ يُجْلَوْا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ كُلِّهَا... وَرَوَى أَبُو دَاوُد ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا... وَجَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ الْوَادِي إلَى أَقْصَى الْيَمَنِ... قَالَ الْخَلِيلُ: إنَّمَا قِيلَ لَهَا جَزِيرَةٌ، لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَالْفُرَاتَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهَا، وَنُسِبَتْ إلَى الْعَرَبِ، لِأَنَّهَا أَرْضُهَا وَمَسْكَنُهَا وَمَعْدِنُهَا، وَقَالَ أَحْمَدُ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا، يَعْنِي أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ سُكْنَى الْكُفَّارِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْيَمَامَةُ، وَخَيْبَرُ وَالْيَنْبُعُ وَفَدَكُ وَمَخَالِيفُهَا، وَمَا وَالَاهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ..." اهـ مختصرا.
وقال أيضاً (10/603):" ويجوز لهم دخول الحجاز للتجارة؛ لأن النصارى كانوا يتجرون إلى المدينة في زمن عمر رضي الله عنه وأتاه شيخ بالمدينة، فقال : أنا الشيخ النصراني ، وإن عاملك عَشَّرَني ( أي : أخذ مني العشر ) مرتين ، فقال عمر : وأنا الشيخ الحنيف ، وكتب له عمر : أن لا يُعَشِّروا في السنة إلا مرة ، ولا يؤذن لهم في الإقامة أكثر من ثلاثة أيام - على ما روي عن عمر رضي الله عنه - ثم ينتقل عنه ، وقال القاضي : يقيم أربعة أيام حد ما يتم المسافر الصلاة". 
وقال الإمام ابن باز -رحمه الله-:
" يجب أن يعلم أنه لا يجوز استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة لا من النصارى ولا من غير النصارى ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من هذه الجزيرة ، وهي المملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج ، كل هذه الدول داخلة في الجزيرة العربية فالواجب ألا يقر فيها الكفرة من اليهود ، والنصارى ، والبوذيين ، والشيوعيين ، والوثنيين ، وجميع من يحكم الإسلام بأنه كافر لا يجوز بقاؤه ولا إقراره في هذه الجزيرة ولا استقدامه إليها إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر كالضرورة لأمر عارض ثم يرجع إلى بلده ممن تدعو الضرورة إلى مجيئه أو الحاجة الشديدة إلى هذه المملكة وشبهها كاليمن ودول الخليج .
أما استقدامهم ليقيموا بها فلا يجوز بل يجب أن يكتفي بالمسلمين في كل مكان ، وأن تكون المادة التي تصرف لهؤلاء الكفار تصرف للمسلمين ، وأن ينتقى من المسلمين من يعرف بالاستقامة والقوة على القيام بالأعمال حسب الطاقة والإمكان ، وأن يختار أيضا من المسلمين من هم أبعد عن البدع والمعاصي الظاهرة ، وأن لا يستخدم إلا من هو طيب ينفع البلاد ولا يضرها ، هذا هو الواجب ، لكن من ابتلي باستقدام أحد من هؤلاء الكفرة كالنصارى وغيرهم فإن عليه أن يبادر بالتخلص منهم وردهم إلى بلادهم بأسرع وقت ..".["مجموع الفتاوى"(6/361)].
وسئل فضيلة الشيخ العلامة الفقيه ابن عثيمين -رحمه الله- السؤال التالي:
ما حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
فأجاب: "استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المُشاقَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، وفي صحيح مسلم أنه قال: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً". لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة.
وحيث قلنا: جائز، فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم، ومن المفاسد المترتبة على ذلك ما يخشى من محبتهم والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم، وفي المسلمين -ولله الحمد- خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق".[ "مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين" (3/42)].

والحاصل أنه لايجوز استقدام الخدم غير المسلمين للمدينة النبوية بحجة الحاجة فليس هناك حاجة أصلا لهذا .
علما بخطر وجود الخادمة النصرانية أو غيرها، وخصوصاً في مثل عصرنا، وأهل التربية يعلمون خطر وجود مثل هؤلاء.
فثبت بهذا أنه لايجوز الاحتجاج بترخص من ترخص ولاعبرة بقوله واختياره، فدخولهم ممنوع، ومن أدخلهم فهو مخالف وينكر عليه وليس له عذر البتة.
وختاما فعلى أصحاب مكاتب الاستقدام أن يتقوا الله ويراعوا حرمة وقداسة المدينة النبوية وأن لايكونوا معولا من معاول الهدم والفساد في المجتمع.
ونناشد المسؤولين أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ويمنعهوهم من المضي قدما في هذا الأمر، فـ(إن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن).
 والله الموفق والمعين. 

كتبه/ د. خالد بن قاسم الردادي
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية
24/2/1435هـ