الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

 جريمة الاعتداء على السفراء من المعاهدين


الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده...وبعد:
فلا ريب أن الاعتداء على السفراء أو على أشخاص في السفارات ومحاولة قتلهم أو اغتيالهم ممن بينهم وبين المسلمين عهد أو أمان أو ذمة محرم لا يجوز بأي حجة كانت ماداموا قد دخلوا البلد بعقد هدنة وأمان، بل يعد هذا الصنيع  من الغدر والخيانة ونكث العهود والمواثيق، فقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لِيُوجَدَ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًّا». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ رقم(3166).
وعن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قتل مُعَاهَداً في غيرِ كُنْهِهِ، حرَّم الله عليه الجنة» . أخرجه أبو داود رقم(2670)، والنسائي (8/24) بإسناد حسن.
والعهد الذي يعطي لهم: الأصل العمل به والوفاء به حتى لو كان معطيه فرداً ليس أميراً فأحرى إذا كان أميرا، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «المسلمون تتكافأُ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يَرُدُّ مُشِدُّهم على مُضْعِفهم ومُتَسَرِّيهم على قاعدهم، ولا يقتَل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» . أخرجه أبو داودرقم(4531)بإسناد حسن.
قال الصنعاني في "السبل"(2/489): "والأحاديث دالة على صحة أمان الكافر من كل مسلم ذكر أو أنثى حر أم عبد مأذون أو غير مأذون لقوله أدناهم، فإنه شامل لكل وضيع، وتعلم صحة أمان الشريف بالأولى، وعلى هذا جمهور العلماء..".
وهذا من محاسن الإسلام، وقد أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم(9436): عن معمر، عن عاصم بن سليمان، عن فضيل الرقاشي قال:
 شهدت قرية من قرى فارس يقال لها شاهرتا فحاصرناها شهرا، حتى إذا كان ذات يوم وطمعنا أن نصبحهم، انصرفنا عنهم عند المقيل، فتخلف عبد منا فاستأمنوه، فكتب إليهم في سهم أمانا، ثم رمى به إليهم، فلما رجعنا إليهم خرجوا في ثيابهم، ووضعوا أسلحتهم فقلنا: ما شأنكم؟ فقالوا: أمنتمونا وأخرجوا إلينا السهم فيه كتاب أمانهم فقلنا: هذا عبد والعبد لا يقدر على شيء قالوا: لا ندري عبدكم من حركم، وقد خرجوا بأمان، قلنا: فارجعوا بأمان قالوا: لا نرجع إليه أبدا.
 فكتبنا إلى عمر بعض قصتهم، فكتب عمر: «أن العبد المسلم من المسلمين أمانه أمانهم» قال: ففاتنا ما كنا أشرفنا عليه من غنائمهم.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(12/454) وزاد: "فأجاز عمر أمانه". 
وحق الأمان الذي كان يتمتع به الرسل و السفراء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- و الذي نسميه اليوم "الحصانة" تمتع به حتى رسل مسيلمة الكذاب: 
فعن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال - حين قرأ كتابَ مُسَيْلِمةَ إليه - للرسل: «فما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: أمَا واللهِ، لولا أنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أعناقَكما» أخرجه أبو داودرقم(2761)، وأحمد رقم(15989) وهو حديث صحيح.
فبيَّن بهذا القول أن هذا الأمان جرى عليه العرف عند الناس أو عند الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وأن الإسلام أكده وأيده.
ومن المعلوم أنه إذا لم يأمن الرسل و السفراء على أنفسهم لم يمكنهم أداء مهامهم، ولهذا قال السرخسي في "المبسوط"(10/92):"إذا وجد الحربي في دار الإسلام، فقال: أنا رسول، فإن أخرج كتابا عرف أنه كتاب ملكهم كان آمنا حتى يبلغ رسالته ويرجع؛ لأن الرسل لم تزل آمنة في الجاهلية والإسلام؛ وهذا لأن أمر القتال أو الصلح لا يتم إلا بالرسل؛ فلابد من أمان الرسل ليتوصل إلى المقصود".
ولقد أوجب علينا الإسلام الوفاء بالعهد، والتزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعهوده، امتثالا لقوله تعالى :{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}.
و شدَّد الوعيد في نقض العهد حتى نفى الدين عمن لا عهد له، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ قَالَ: "لاَ إيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ" أخرجه أحمد رقم(12383). وقال البغوي: "هذا حديث حسن". وصححه ابن حبان في "صحيحه" برقم (194).
وعليه فيجب على المسلمين الوفاء بالعهد الذي تعطيه بلدانهم حكامهم للأجانب،وهذا من اختصاص الحاكم ولا يعود إلى فئة معينة.
وبه يعلم أن سفراء البلدان الأجنبية في بلادنا من المعاهدين الذين لا يجوز ظلمهم فضلا عن قتلهم ،وليس لأحد أن ينبذ إليهم عهدهم إلا الدولة ،وحتى في هذه الحالة لا يجوز قتلهم ولا حبسهم، ويطلب منهم مغادرة البلاد ،وتحدد لهم مهلة، والله الموفق والمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق