الثلاثاء، 12 يونيو 2018

مسائل في التهنئة بالعيد

كتبه/د. خالد بن قاسم الردادي

1- التهاني -من حيث الأصل- من باب العادات، والأصل فيها الإباحة، حتى يأتي دليل يخصها، فينقل حكمها من الإباحة إلى حكم آخر. 
قال العلامة السعدي -رحمه الله- مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات: " هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع ، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز ، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع ، أو تضمن مفسدة شرعية .."
[ "المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي"(1/143)].

2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في"مجموع الفتاوى"(24/253):"  وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا، وَلَا هُوَ أَيْضًا مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ ".
وسئل الشيخ العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: ما حكم المصافحة، والمعانقة والتهنئة بعد صلاة العيد؟
فأجاب بقوله:" هذه الأشياء لا بأس بها؛ لأن الناس لا يتخذونها على سبيل التعبد والتقرب إلى الله عز وجل، وإنما يتخذونها على سبيل العادة، والإكرام والاحترام، ومادامت عادة لم يرد الشرع بالنهي عنها فإن الأصل فيها الإباحة "["مجموع فتاواه"(16/209)].


3-" التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ، الْأَئِمَّةُ، كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ "[ "مجموع الفتاوى"لابن تيمية (24/253)].

4- الآثار الواردة عن الصحابة والسلف في جواز التهنئة بالعيد:
- عَن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي قَالَ: كُنَّا نأتي أَبَا أُمَامَة وواثلة بن الْأَسْقَع فِي الْفطر والأضحى ونقول لَهما: قبل الله منا ومنكم. فَيَقُولَانِ: ومنكم ومنكم.[أخرجه الطحاوي كما في"متصر اختلاف العلماء"(4/385) بسند حسن].
- وفي كتاب "تحفة عيد الأضحى" لأبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي المستملي (ما أورده) بسند حسن عن جبير بن نفير -وهو من كبار التابعين، وذكر في الصحابة لأن له رؤية، وهو من رجال الصحيح - قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم.[ "جزء في التهنئة في الأعياد" لابن حجر(ص33)].
- وأخرج الخلال في كتاب "العلل" عن حرب الكرماني عن إسحاق بن زاهر بسند حسن إلى عمرو السكسكي قال: رأيت عبد الله بن بسر المازني وخالد بن معدان وراشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير بن نفير يقول بعضهم لبعض في العيدين: تقبل الله منا ومنكم.
نقل أبو الوفاء بن عقيل في كتاب "الفصول" عن الإمام أحمد بن حنبل قال: إسناد حديث أبي أمامة جيد.
ونقل الشيخ موفق الدين ابن قدامة في "المغني" عن حرب قال: سئل أحمد عن قول الناس تقبل الله منا ومنك فقال: لا بأس به، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل له: وعن واثلة، قال: نعم.[ "جزء في التهنئة في الأعياد" لابن حجر(ص35)].
- وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب قَالَ: كُنَّا نأتي مُحَمَّد بن سِيرِين وَالْحسن فِي الْفطر والأضحى فَنَقُول لَهما: قَبِلَ اللهُ مِنَّا ومنكم. فَيَقُولَانِ: ومنكم.[ "مختصر اختلاف العلماء"(4/385)].
- وعَنْ أدْهَم مَوْلى عُمَر بن عبد العزيز، قَالَ: "كُنَّا نقُولُ لِعُمَرَ بنِ عبد العَزِيزِ في الْعِيدَيْنِ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنَّك، يا أمير المؤمنين. فلا يَنْكُر ذَلِكَ عَلينَا"[ أخرجه زاهر بن طاهر الشحّامي في"جزء تحفة عيد الفطر"رقم(51)، والبيهقي(3/319) بإسناد لابأس به].
-وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: سَأَلْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ مُنْذُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً(يعني عن التهنئة )، فقَالَ: لَمْ يَزُلْ يُعْرَفُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ.[ "المغني"(2/296)، و"جزء في التهنئة في الأعياد" لابن حجر(ص40-41)].
- وقال أبو بكر الآجري:"هو فعل الصحابة والعلماء"["جزء في التهنئة في الأعياد" لابن حجر(ص37)].

5- المتعارف عليه أن التهنئة بالشئ تكون عند حصوله وحدوثه، فهل يهنئ بالعيد بعد رؤية الهلال أم بعد الفراغ من صلاة العيد؟
لم يرد عن السلف فعلهم للتهنئة قبل الصلاة، ولايوجد مايمنع وهو من باب العادات والأصل فيها الإباحة -كما سبق-، فالذي أراه أنه لاتثريب على من بادر بالتهنئة ليلة العيد عن طريق وسائل الاتصال فالباب في هذا واسع إن شاء الله تعالى.
وأما القول بأن من قدم التهنئة قبل العيد فقد خالف السنة، فلا يصح ولا وجه له لأن التهنئة ليست سنة مأمور بها -كما سبق نقله عن ابن تيمية- ولم يرد فيها شئ من السنة أصلاً.

6- لا إشكال في التهنئة بالعيد والفرح والاجتماع بعد انتهائه ولو لأيام تأتي؛ لأن المقصود منه التودد وإظهار الفرح السرور.  
قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني(ت211هـ): وسألت معمراً(ت153هـ) عن صيام الست التي بعد يوم الفطر، وقالوا له: تصام بعد الفطر بيوم، فقال: "معاذ الله إنما هي أيام عيد وأكل وشرب، ولكن تصام ثلاثة أيام قبل أيام الغر، أو ثلاثة أيام الغر أو بعدها، وأيام الغر ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر". وسألنا عبد الرزاق: "عمن يصوم يوم الثاني؟ فكره ذلك، وأباه إباء شديداً". ["المصنف"(4/316)].
قال الشرواني الشافعي -رحمه الله- : "..لا تطلب – أي : التهنئة - في أيام التشريق وما بعد يوم عيد الفطر، لكن جرت عادة الناس بالتهنئة في هذه الأيام ولا مانع منه ; لأن المقصود منه التودد وإظهار السرور ، ويؤخذ من قوله يوم العيد أيضاً : أن وقت التهنئة يدخل بالفجر لا بليلة العيد خلافا ، لما في بعض الهوامش ا هـ ، وقد يقال : لا مانع منه أيضاً إذا جرت العادة بذلك ؛ لما ذكره من أن المقصود منه التودد وإظهار السرور ، ويؤيده ندب التكبير في ليلة العيد " [انتهى من: "حواشي الشرواني على تحفة المحتاج"(2/57)] . 

 والله الموفق. 
 16/9/1434

الجمعة، 25 مايو 2018

جوده -صلى الله عليه وسلم- في رمضان

عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: 
« كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريلُ في كل ليلة من رمضان، فيُدارسه القرآن، فَلَرَسولُ الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ».
 أخرجه البخاري رقم(1902)، ومسلم رقم(2308).
 
الْجُود: كَثْرَة الْإِعْطَاء. وَإِنَّمَا كثر جوده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَان لخمسة أَشْيَاء: 
أَحدهَا: أَنه شهر فَاضل، وثواب الصَّدَقَة يتضاعف فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْعِبَادَات. قَالَ الزُّهْرِيّ: "تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ فِي غَيْرِهِ"[أخرجه الترمذي رقم(3472)]. 

وَالثَّانِي: أَنه شهر الصَّوْم، فإعطاء النَّاس إِعَانَة لَهُم على الْفطر والسحور. 

وَالثَّالِث: أَن إنعام الْحق يكثر فِيهِ، فَأحب الرَّسُول أَن يُوَافق ربه -عز وَجلَّ- فِي الْكَرم. 

وَالرَّابِع: أَن كَثْرَة الْجُود كالشكر لترداد جِبْرِيل -عَلَيْهِ السَّلَام- إِلَيْهِ فِي كل لَيْلَة. 

وَالْخَامِس: أَنه لما كَانَ يدارسه الْقُرْآن فِي كل لَيْلَة من رَمَضَان زَادَت معاينته الْآخِرَة، فَأخْرج مَا فِي يَدَيْهِ من الدُّنْيَا.[ ينظر:"كشف مشكل الصحيحين" لابن الجوزي(2/213)].

وقال ابن القيم -رحمه الله- في"زاد المعاد"(2/30):
"وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل -عليه الصلاة والسلام- يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحيانا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة".

الأربعاء، 23 أغسطس 2017


مشروعية صيام العشر من ذي الحجة

عن أم المؤمنين عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: « مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ ». وفي رواية: « لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ ». 
أخرجه مسلم رقم ( 1176 ) 2 / 833.
وترجم ابن حبان -رحمه الله-(3608) له بقوله:" ذكر الإباحة للمرء ترك صوم العشر من ذي الحجة، وإن أمن الضَعْفَ لذلك ".
قال النووي -رحمه الله- في"المجموع"(6/414): " قال العلماء هو متأول على أنها لم تره ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام والباقي عند باقي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أو لعله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم بعضه في بعض الأوقات وكله في بعضها ويتركه في بعضها لعارض سفر أو مرض أو غيرهما وبهذا يجمع بين الأحاديث ". 
وقال -أيضاً- في"شرحه على صحيح مسلم"(8/71) :(  قال العلماء: هذا الحديث مما يُوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أوَّل ذي الحجة. قالوا: وهذا مما يتأول، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي  مستحبة استحباباً شديداً، لا سيما التاسع منها، وهو يوم عرفة،  وقد سبقت الأحاديث في فضله، وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه، يعنى العشر الأوائل من ذي الحجة". فيتأول قولها:"لم يصم العشر" أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت:" كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين من الشهر والخميس" ورواه أبو داود وهذا لفظه، وأحمد والنسائي وفي روايتهما:" وخميسين" والله أعلم ). 
وقال ابن القيم -رحمه الله- في"زاد المعاد"(2/65): " وأما صيام عشر ذي الحجة، فقد اختلف فيه؛ فقالت عائشة: ما رأيته صائما في العشر قط. ذكره مسلم ، وقالت حفصة: أربع لم يكن يدعهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتا الفجر. ذكره الإمام أحمد -رحمه الله-، وذكر الإمام أحمد عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه كان يصوم تسع ذي الحجة ويصوم عاشوراء وثلاثة أيام من الشهر أو الأثنين من الشهر والخميس. وفي لفظ :الخميسين. والمثبت مقدم على النافي إن صح ". 
وقال ابن رجب -رحمه الله- في"اللطائف"(ص262):
"وقد اختلف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث، فأجاب مرة بأنه قد روى خلافه، وذكر حديث حفصة، وأشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث عائشة، فأسنده الأعمش ورواه منصور عن إبراهيم مرسلا ، وكذلك أجاب غيره من العلماء بأنه إذا اختلفت عائشة وحفصة في النفي والإثبات أخذ بقول المثبت؛ لأن معه علما خفي على النافي، وأجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم يصم العشر كاملا، يعني وحفصة أرادت انه كان يصوم غالبه، فينبغي أن يصام بعضه ويفطر بعضه، وهذا الجمع يصح في رواية من روى: ما رأيته صائما العشر. وأما من روى: ما رأيته صائما في العشر. فيبعد أو يتعذر هذا الجمع فيه..".

قلت : وأما حديث حفصة -رضي الله عنها-، وحديث هنيدة بن خالد، فهي معلَّة لايصح شيء منها، ولتفصيل هذا موطن آخر،  والله الموفق.

الأربعاء، 7 يونيو 2017

جواز الدعاء بـ" اللهم اعتق رقابنا من النار".

الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..وبعد:
فقد تناقل بعض الناس في شبكات التواصل قولاً لبعض السلف في كراهة الدعاء بـ"اللهم اعتق رقابنا من النار" وبنوا عليه حكماً بعدم جواز الدعاء بهذا ، ولا ريب أن مازعموه خطأ ناتج عن التعجل في الحكم وعدم جمع ماورد في المسألة والباب وعدم النظر في أقوال العلماء في المسألة، فأقول وبالله التوفيق:

أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب "الْأَضَاحِي" -كما في"الدر المنثور"(1/549)- عَن عَليّ بن أبي طَالب -رضي الله عنه-أَنه قَالَ وَهُوَ بِعَرَفَات:" لَا أدع هَذَا الْموقف مَا وجدت إِلَيْهِ سَبِيلا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الأَرْض يَوْم أَكثر عتقا للرقاب فِيهِ من يَوْم عَرَفَة، فَأَكْثرُوا فِي ذَلِك الْيَوْم من قَول: اللَّهُمَّ اعْتِقْ رقبتي من النَّار وأوسع لي فِي الرزق واصرف عني فسقة الْجِنّ والإِنس فَإِنَّهُ عَامَّة مَا أَدْعُوك بِهِ".

قال الإمام أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله- في"مشكل الآثار"(4/358):
"عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: كَانَ أَبُو وَائِلٍ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: " اللهُمَّ أَعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَعْتِقُ مَنْ يَرْجُو الثَّوَابَ " قَالُوا: وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ.
 وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ الْقَوْلِ بَأْسًا.
 وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا " مَنْ أَعْتَقَ  رَقَبَةً أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ ". فَفِي ذَلِكَ إضَافَةُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَتَاقَ مِنَ النَّارِ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يَنْطَلِقُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوهُ بِهِ، وَبِاللهِ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ " انتهى.

وقال الإمام النووي -رحمه الله- في بيان بعض أغاليط العلماء في كراهة بعض الألفاظ في"الأذكار (ص383):
"ومن ذلك ما حكاهُ النحَّاسُ أيضاً عن هذا القائل المتقدّم أنه كره أن يُقال: اللَّهمّ أعتقني منَ النَّارِ، قال: لأنه لا يعتق إلا مَن يطلب الثواب.
قلتُ: وهذه الدعوى والاستدلال من أقبح الخطأ وأرذل الجهالة بأحكام الشرع، ولو ذهبتُ أتتبعُ الأحاديثَ الصحيحة المصرّحة بإعتاق الله تعالى مَن شاء من خلقه لطال الكتاب طولاً مُمِلاًّ.
وذلك كحديث " مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً أعْتَقَ اللَّهُ تَعالى بِكُلِّ عُضْو مِنْها عُضْواً مِنْهُ من النار "[أخرجه  البخاري: 
2517 و6715 ، ومسلم: 84] ". 
وينظر: "شرح  الأذكار" لابن علان(7/177) . والله الموفق.

الجمعة، 17 فبراير 2017

ضربات استباقية لوزارة الداخلية
دحر الإرهاب في أوكاره

د.خالد بن قاسم الردادي
المدينة النبوية
19/5/1438هـ

الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فلا ريب أن بلادنا –حرسها الله- مغبوطة بتماسك جبهاتها الداخلية ووارف أمنها، مستهدفة من أعداء يكيدون لها ويتربصون بها الدوائر.
ومع كل بيان لوزارة الداخلية حول ضربات الأمن الاستباقية يطمئن أبناء الوطن والمقيمين فيه على أمنهم وسلامتهم، فيما يحدث إفشال وإرباك وإحباط لدى الجماعات الإرهابية التي لم تستطع تنفيذ مخططاتها وأجنداتها التخريبية الانتحارية.
وقبل أمس صرح المتحدث الأمني لوزارة الداخلية أنه امتداد لما تقوم به الجهات الأمنية من خلال متابعتها المستمرة لأنشطة الفئة الضالة، وإحباط مخططاتهم الإرهابية الساعية للنيل من أمن المملكة واستقرارها، ‏فقد تمكنت الجهات الأمنية بتوفيق من الله وفي عمليات استباقية بدأت يوم السبت الموافق 14 / 5 / 1438هـ، ‏من الإطاحة بأربع خلايا عنقودية إرهابية بكل من منطقة (مكة المكرمة - المدينة المنورة - الرياض - القصيم) نشط عناصرها بأدوار إرهابية تخريبية متنوعة كتوفير مأوى للمطلوبين أمنياً ‏واختيار ورصد الاهداف وتمريرها للتنظيم في الخارج، والدعاية والترويج للفكر الضال لتنظيم داعش الارهابي على شبكة الإنترنت، وتجنيد أشخاص لصالح التنظيم والتحريض على المشاركة في القتال بمناطق الصراع، وتوفير الدعم المالي لهم وأنشطتهم الإرهابية، مع امتلاك بعض عناصرها لخبرات في صناعة الأحزمة الناسفة والعبوات المتفجرة وتحضير الخلائط المستخدمة في تصنيعها وتأمينها للانتحاريين وتدريبهم على استخدامها.
وقد بلغ عدد عناصر هذه الخلايا المقبوض عليهم حتى الآن (١٨) ثمانية عشر شخصاً.
إن إعلان وزارة الداخلية حول إحباط العديد من العمليات الإرهابية قبل تنفيذها، ماهي إلا رسالة لكل من تسول له نفسه بأن الحزم مستمر والأمن مستتب بحفظ الله أولاً ثم بدعم قيادة حكيمة وبسالة وتضحيات رجال أمن مجهزين تدريبياً ومزودين بسلاح الإيمان أولاً ثم أحدث أنظمة الأسلحة المتطورة.
وتأتي هذه الضربات الاستباقية لتبين وتؤكد على قوة الجهاز الأمني السعودي المتمثل في وزارة الداخلية، وفشل مخططات تنظيم داعش الإرهابي في المملكة التي ستتلاشي قريباً بفضل من الله ثم بجهود وزارة الداخلية، وبكل تأكيد المفاجأة تشل أركان المنظمات الإرهابية وما حصل في هذه الضربة الاستباقية الموفقة إلا دليل على فشل هذا التنظيم، وأنه تنظيم جبان لن يستطيع –بعون الله- النيل من الوطن في ظل تواجد أمني قوي وتعاون كبير من المواطنين للقضاء على الإرهابيين والمتعاطفين معهم.
وهذه الضربات الاستباقية لرجال الأمن السعودي ليست بجهود جديدة أو حديثة، فمنذ عام 2003م وحتى الساعة حققت وزارة الداخلية جهودًا كبيرة في الضربات الاستباقية وتفكيك العمليات الإرهابية قبل حدوثها، وهذه الاستراتيجية تؤكد بأن الجهات الأمنية استطاعت تضييق الخناق على تنظيم داعش الإرهابي مثله مثل أي تنظيم آخر كالقاعدة، فالاستراتيجية والتقنيات العالية بما فيها من المؤهلات التي يمتلكها رجال الأمن السعودي حدت من آمال التنظيمات الإرهابية.
قدرات فائقة وإمكانيات كبيرة، وتدريب وتطوير مستمر، وإيمان قوي بحرمة بلاد الحرمين الشريفين وأمن سكانها، جميعها مقومات نجاح جعلت من أبطال الأمن السعودي مثالاً بارزاً في مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه وكذلك وأده في جحوره المظلمة قبل أن ينفذ خفافيش الظلام مخططاتهم الإجرامية وتحقيق غاياتهم المتمثلة في محاولة ضرب الوطن في نهضته التنموية والاقتصادية والأمنية وكذلك الاجتماعية وإزهاق الأنفس وإراقة الدماء المعصومة بغير حق.
إن إفشال أجهزتنا الأمنية –ولله الحمد- لـ95% من العمليات الإرهابية قبل تنفيذها والوصول إلى خلايا الشر العنقودية والنائمة جعلت من تجربة المملكة في مكافحة الإرهاب وكشف المخططات الإرهابية قبل تنفيذها تفوقاً غير مسبوق وريادة يسجل للمملكة العربية السعودية، سبقت به دولاً متقدمة عديدة عانت من الإرهاب عقوداً طويلة.
ولا ريب أن سياسة المملكة الموفقة والتي جعلت من المواطن رجل الأمن الأول جعلت الإرهابيين التكفيريين خوارج العصر في عزلة وانقطاع، فضاقت عليهم السبل واتجهوا للصحاري والعزلة عن الناس، خوفاً من الضربات الاستباقية التي يسطرها الأبطال دائماً. المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي بين في آخر إحصائية لوزارة الداخلية أن أكثر من 70% مما تقوم به الداخلية لإفشال المخططات الإرهابية يكون بعد التعاون مع المواطنين، مما يعني الدور المجتمعي المميز والفعال في الحفاظ على الأمن واستشعارهم للأمانة التي يلزمهم بها الدين أولاً ثم الولاء وحب الوطن.
والحمد لله أنه قد فضح أمر هذه الجماعة الضالة المجرمة، فبانت حقيقتها وانكشف زيفها، وأنها لا تريد للدين نصرة، ولا للأمة ظفرًا، بل تريد زعزعة الأمن وترويع الآمنين وقتل المسلمين المحرم قتلهم بالإجماع والسعي في الأرض فسادًا.
ولا ريب أن بلادنا –حرسها الله- مستهدفة من قبل هذه العصابات الإرهابية والتي تسعى لتنفيذ أجندات أجنبية، تهدف لبث الفوضى وتدمير الوحدة الوطنية التي تنعم بها بلادنا –بحمد الله-، بيد أن جنودنا البواسل حملوا أرواحهم على أكفهم ونجحوا –بفضل الله- في ردع المعتدين ودحرهم خائبين خاسرين.

أسأل الله العلي القدير أن يحمي بلادنا ويحفظ ولاة أمرنا ويعينهم ويوفقهم ويسددهم ، وأن يحفظ حدودنا وينصر جنودنا. 

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

 جريمة الاعتداء على السفراء من المعاهدين


الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده...وبعد:
فلا ريب أن الاعتداء على السفراء أو على أشخاص في السفارات ومحاولة قتلهم أو اغتيالهم ممن بينهم وبين المسلمين عهد أو أمان أو ذمة محرم لا يجوز بأي حجة كانت ماداموا قد دخلوا البلد بعقد هدنة وأمان، بل يعد هذا الصنيع  من الغدر والخيانة ونكث العهود والمواثيق، فقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لِيُوجَدَ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًّا». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ رقم(3166).
وعن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قتل مُعَاهَداً في غيرِ كُنْهِهِ، حرَّم الله عليه الجنة» . أخرجه أبو داود رقم(2670)، والنسائي (8/24) بإسناد حسن.
والعهد الذي يعطي لهم: الأصل العمل به والوفاء به حتى لو كان معطيه فرداً ليس أميراً فأحرى إذا كان أميرا، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «المسلمون تتكافأُ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يَرُدُّ مُشِدُّهم على مُضْعِفهم ومُتَسَرِّيهم على قاعدهم، ولا يقتَل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» . أخرجه أبو داودرقم(4531)بإسناد حسن.
قال الصنعاني في "السبل"(2/489): "والأحاديث دالة على صحة أمان الكافر من كل مسلم ذكر أو أنثى حر أم عبد مأذون أو غير مأذون لقوله أدناهم، فإنه شامل لكل وضيع، وتعلم صحة أمان الشريف بالأولى، وعلى هذا جمهور العلماء..".
وهذا من محاسن الإسلام، وقد أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم(9436): عن معمر، عن عاصم بن سليمان، عن فضيل الرقاشي قال:
 شهدت قرية من قرى فارس يقال لها شاهرتا فحاصرناها شهرا، حتى إذا كان ذات يوم وطمعنا أن نصبحهم، انصرفنا عنهم عند المقيل، فتخلف عبد منا فاستأمنوه، فكتب إليهم في سهم أمانا، ثم رمى به إليهم، فلما رجعنا إليهم خرجوا في ثيابهم، ووضعوا أسلحتهم فقلنا: ما شأنكم؟ فقالوا: أمنتمونا وأخرجوا إلينا السهم فيه كتاب أمانهم فقلنا: هذا عبد والعبد لا يقدر على شيء قالوا: لا ندري عبدكم من حركم، وقد خرجوا بأمان، قلنا: فارجعوا بأمان قالوا: لا نرجع إليه أبدا.
 فكتبنا إلى عمر بعض قصتهم، فكتب عمر: «أن العبد المسلم من المسلمين أمانه أمانهم» قال: ففاتنا ما كنا أشرفنا عليه من غنائمهم.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(12/454) وزاد: "فأجاز عمر أمانه". 
وحق الأمان الذي كان يتمتع به الرسل و السفراء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- و الذي نسميه اليوم "الحصانة" تمتع به حتى رسل مسيلمة الكذاب: 
فعن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال - حين قرأ كتابَ مُسَيْلِمةَ إليه - للرسل: «فما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: أمَا واللهِ، لولا أنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أعناقَكما» أخرجه أبو داودرقم(2761)، وأحمد رقم(15989) وهو حديث صحيح.
فبيَّن بهذا القول أن هذا الأمان جرى عليه العرف عند الناس أو عند الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وأن الإسلام أكده وأيده.
ومن المعلوم أنه إذا لم يأمن الرسل و السفراء على أنفسهم لم يمكنهم أداء مهامهم، ولهذا قال السرخسي في "المبسوط"(10/92):"إذا وجد الحربي في دار الإسلام، فقال: أنا رسول، فإن أخرج كتابا عرف أنه كتاب ملكهم كان آمنا حتى يبلغ رسالته ويرجع؛ لأن الرسل لم تزل آمنة في الجاهلية والإسلام؛ وهذا لأن أمر القتال أو الصلح لا يتم إلا بالرسل؛ فلابد من أمان الرسل ليتوصل إلى المقصود".
ولقد أوجب علينا الإسلام الوفاء بالعهد، والتزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعهوده، امتثالا لقوله تعالى :{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}.
و شدَّد الوعيد في نقض العهد حتى نفى الدين عمن لا عهد له، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ قَالَ: "لاَ إيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ" أخرجه أحمد رقم(12383). وقال البغوي: "هذا حديث حسن". وصححه ابن حبان في "صحيحه" برقم (194).
وعليه فيجب على المسلمين الوفاء بالعهد الذي تعطيه بلدانهم حكامهم للأجانب،وهذا من اختصاص الحاكم ولا يعود إلى فئة معينة.
وبه يعلم أن سفراء البلدان الأجنبية في بلادنا من المعاهدين الذين لا يجوز ظلمهم فضلا عن قتلهم ،وليس لأحد أن ينبذ إليهم عهدهم إلا الدولة ،وحتى في هذه الحالة لا يجوز قتلهم ولا حبسهم، ويطلب منهم مغادرة البلاد ،وتحدد لهم مهلة، والله الموفق والمعين.

الاثنين، 10 أكتوبر 2016

مشروعية صيام يوم قبل و بعد يوم عاشوراء معه:

الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد.

فقد انتشر في هذه الأيام فتاوى غريبة تنقل عبر شبكات التواصل تشكك الناس في ماجرت عليه فتوى علماء هذه البلاد -حرسها الله- الكبار من القول بجواز صيام يوم قبل و بعد يوم عاشوراء معه وأن هذا لا أصل له بل وبالغ بعضهم فعد صيام التاسع والعاشر والحادي عشر معاً من البدع المحدثة!
فأردت في هذه العجالة أن أبين خطأ هذا القول وتعسّف قائليه وإنكارهم لما قد صح به الدليل وقال به الراسخون، فأقول مستعيناً بالله:

أولاً- متن الحديث الوارد في هذا ولفظه:

عن عبدالله بْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا».
وفي لفظ: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ؛ صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا».
وفي لفظ:« لَئِنْ بَقِيتُ لآمُرَنَّ بِصِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ».


ثانياً- تخريجه ودراسة أسانيده:

أخرجه أحمد رقم(2154)، وابن خزيمة رقم(2095)، وابن عدي في "الكامل"(3/88)، وابن بشران في "أماليه" رقم(475) والبيهقي في "سنن الكبرى"(4/ 287)، وفي "فضائل الأوقات" رقم(243)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب" رقم(1872)من طريق هشيم بن بشير.
والحميدي في "مسنده" رقم(485)-ومن طريقه البيهقي(4/287)- عن سفيان بن عيينة.
وابن عدي (3/ 89) من طريق الحارث بن النعمان بن سالم عن سفيان به.
والبزار في "مسنده" رقم(1052-كشف الاستار)عن عيسى.
والطبري في "تهذيب الآثار" (مسند عمر 1/ 387) والطحاوي في "شرح المعاني" (2/ 78)من طريق أبي شهاب عبد ربه بن نافع الحناط الصغير.
والطحاوي (2/ 78)من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى.
جميعهم (هشيم، وسفيان، وعيسى، وأبو شهاب، ومحمد بن عمران ) عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن داود بن علي، عن أبيه، عن جده ابن عباس، فذكره.
وهو عندهم -إلَّا البزّار- بالتخيير. "صوموا قبله يومًا أو بعده ... ".

قال البزار: "قد رُوي عن ابن عباس من غير وجهٍ، ولا نعلم روى: (صوموا قبله يومًا أو بعده) إلَّا داود بن علي عن أبيه عن ابن عباس، تفرّد بها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". أهـ.

وقال الهيثمي في "المجمع" (3/ 188 - 189): "وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام". أهـ.
وهو صدوق سيّء الحفظ جدًا كما في "التقريب".

وقال البوصيري في"اتحاف الخيرة"(3/81):"رَوَاهُ مُسَدَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، لِضَعْفِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، لَكِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ فَقَدْ تَابِعُهُ عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ أَبِي صَالِحِ بْنِ حَيِّ".
ومتابعة ابن حي أخرجها ابن عدي  في "الكامل" (3/ 89)من طريق عَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ، عن سفيان بن عيينة عنه.

وقال الغماري في "المداوي"(4/348) وهو يتعقب تضعيف المناوي للحديث:
"كلام الهيثمى لا يدل على أن الحديث غير صحيح، فإن ابن أبي ليلى المذكور فقيه عالم مجتهد، وإنما كان سئ الحفظ فوقعت المناكير في حديثه، وليس هذا الخبر مما يهم فيه الإنسان لقلة ألفاظه وصغر متنه، وأما داود بن على فهو ثقة أيضًا، قال عثمان الدارمى عن ابن معين: شيخ هاشمى إنما يحدث بحديث واحد، قال ابن عدى: أظن الحديث في عاشوراء، وقد روى غير هذا بضعة عشر حديثا، وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عدى: عندى أنه لا بأس بروايته عن أبيه عن جده، فهذا توثيق للرجلين يجعل الحديث حسنا، فإذا وجد له شاهد ارتفع إلى الصحيح، ولهذا الحديث شواهد متعددة يطول بذكرها الكتاب.
وأما قول الذهبى: ليس بحجة فمراده أنه ليس من أهل الرواية والإتقان لها ولا من أهل هذا الشان لأنه كان أميرًا حاكمًا كما ليس من شأنه الرواية، ولذلك عقب ذلك بقوله: قال ابن معين أرجو أنه لا يكذب، إنما يحدث بحديث واحد ثم ذكر الذهبى الحديث لا على أنه من منكراته، وإنما ذكره تبيينًا لما نص عليه ابن معين من أنه ليس له إلا حديث واحدٌ، ثم ذكر أحاديث أخرى مما استدركه ابن عدى، وبين أن ابن أبي ليلى توبع عليه عن داود، فقال: وروى الحسن بن حى عن داود نحوًا من هذا".
وقد صح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله، لكن دون ذكر الحادي عشر، وله عنه طريقان:
الأول: يرويه ابن جريج أخبرني عطاء أنّه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر.
أخرجه عبد الرزاق رقم(7839) عن ابن جريج به.
ومن طريقه أخرجه البيهقي (4/ 287) وفي "فضائل الأوقات" رقم(242).
وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (2/ 78) من طريق رَوح بن عبادة البصري ثنا ابن جريج به. وإسناده صحيح.
وأخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (مسند عمر 1/ 392) بإسناد صحيح عن أبي كُريب محمد بن العلاء الهَمْداني ثنا ابن عُيينة عن عمرو بن دينار سمع عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: فذكره.
الثاني: يرويه سفيان بن عيينة سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول: سمعت ابن عباس يقول: صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود.
أخرجه الشافعي -كما في "التلخيص" (2/ 214)- عن سفيان به.
وقد صح -أيضاً- عن ابن عباس أنه كان يصوم يوما قبله وبعده:
أخرج الطبري في "تهذيب الآثار"(660-مسند عمر بن الخطاب)من طريق وكيع،  عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: « أنه كان يصوم قبله يوما وبعده يوما ». وإسناده صحيح. وعبد الملك بن جريج ثقة ثبت فقيه، وكان يدلس ويرسل، وهو أثبت الناس في عطاء بن أبي رباح لا يدلس عنه، قال أحمد بن حنبل :"عمرو بن دينار، وابن جريج أثبت الناس في عطاء". وقال يحيى القطان عن ابن جريج قال:"إذا قلتُ: قال عطاء فأنا سمعته منه، وإن لم أقل سمعتُ". ينظر:"تهذيب التهذيب"(6/402).
وأخرج الطبري في "تهذيب الآثار"(661-مسند عمر بن الخطاب) من طريق ابن أبي ذئب ، عن شعبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : « أنه كان يصوم في السفر يوم عاشوراء ، ويوالي بين اليومين فرقا أن يفوته ».
وإسناده لا بأس به، فيه شعبة بن دينار مولى ابن عباس -رضي الله عنهما-:
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: "ما أرى به بأسا". وقال الدوري عن ابن معين: "ليس به بأس". وضعفه مالك والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم، وقال ابن عدي:" لم أجد له حديثا منكرا فاحكم عليه بالضعف وأرجو أنه لا بأس به". ينظر:"تهذيب التهذيب"(4/346-347). وقال في "التقريب"(2792):"صدوق سيء الحفظ".

وبالجملة فالحديث المرفوع حسن لغيره إن شاء الله ومثله يمشى ويرخص فيه؛ لأنه وارد في الفضائل.

ثالثاً: من فوائده ومسائله:

قال الإمام أحمد: "من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام، ابن سيرين يقول ذلك" [" المغني " (4/441)].
فتبين بهذا أنه لا يصح وصف صيام الأيام الثلاثة بأنه لا أصل له.

وأما من فاته صيام اليوم التاسع، فإن صام العاشر وحده، فلا حرج في ذلك، ولا يكون ذلك مكروهاً، وإن ضم إليه صيام الحادي عشر فهو أفضل.
قال المرداوي في "الإنصاف" (3/346):
"لا يكره إفراد العاشر بالصيام على الصحيح من المذهب، ووافق الشيخ تقي الدين [ابن تيمية] أنه لا يكره".

وقال ابن رجب في "اللطائف"(ص51):"جاء في رواية: "أو بعده" فإما أن تكون "أو" للتخير أو يكون شكا من الراوي: هل قال قبله أو بعده وروي هذا الحديث بلفظ آخر وهو: "لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله ويوم بعده" يعني عاشوراء وفي رواية أخرى: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ولآمرن بصيام يوم قبله ويوم بعده" يعني عاشوراء أخرجهما الحافظ أبو موسى المديني.
وقد صح هذا عن ابن عباس من قوله من رواية ابن جريج قال: أخبرنا عطاء أنه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: خالفوا اليهود صوموا التاسع والعاشر قال الإمام أحمد أنا أذهب إليه..وممن رأى صيام التاسع والعاشر: الشافعي رضي الله عنه وأحمد واسحاق، وكره أبو حنيفة إفراد العاشر بالصوم".
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- كما في "فتاوى نور على الدرب"(16/399):
"صيام يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من محرم سنة، ويستحب أن يصوم قبله يومًا، أو بعده يومًا، أو يصوم الثلاثة جميعًا: التاسع والعاشر والحادي عشر".
والله أعلم وهو الموفق والمعين.