جواز الدعاء بـ" اللهم اعتق رقابنا من النار".
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..وبعد:
فقد تناقل بعض الناس في شبكات التواصل قولاً لبعض السلف في كراهة الدعاء بـ"اللهم اعتق رقابنا من النار" وبنوا عليه حكماً بعدم جواز الدعاء بهذا ، ولا ريب أن مازعموه خطأ ناتج عن التعجل في الحكم وعدم جمع ماورد في المسألة والباب وعدم النظر في أقوال العلماء في المسألة، فأقول وبالله التوفيق:
فقد تناقل بعض الناس في شبكات التواصل قولاً لبعض السلف في كراهة الدعاء بـ"اللهم اعتق رقابنا من النار" وبنوا عليه حكماً بعدم جواز الدعاء بهذا ، ولا ريب أن مازعموه خطأ ناتج عن التعجل في الحكم وعدم جمع ماورد في المسألة والباب وعدم النظر في أقوال العلماء في المسألة، فأقول وبالله التوفيق:
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب "الْأَضَاحِي" -كما في"الدر المنثور"(1/549)- عَن عَليّ بن أبي طَالب -رضي الله عنه-أَنه قَالَ وَهُوَ بِعَرَفَات:" لَا أدع هَذَا الْموقف مَا وجدت إِلَيْهِ سَبِيلا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الأَرْض يَوْم أَكثر عتقا للرقاب فِيهِ من يَوْم عَرَفَة، فَأَكْثرُوا فِي ذَلِك الْيَوْم من قَول: اللَّهُمَّ اعْتِقْ رقبتي من النَّار وأوسع لي فِي الرزق واصرف عني فسقة الْجِنّ والإِنس فَإِنَّهُ عَامَّة مَا أَدْعُوك بِهِ".
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله- في"مشكل الآثار"(4/358):
"عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: كَانَ أَبُو وَائِلٍ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: " اللهُمَّ أَعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَعْتِقُ مَنْ يَرْجُو الثَّوَابَ " قَالُوا: وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ.
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ الْقَوْلِ بَأْسًا.
وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا " مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ ". فَفِي ذَلِكَ إضَافَةُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَتَاقَ مِنَ النَّارِ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يَنْطَلِقُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوهُ بِهِ، وَبِاللهِ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ " انتهى.
وقال الإمام النووي -رحمه الله- في بيان بعض أغاليط العلماء في كراهة بعض الألفاظ في"الأذكار (ص383):
"ومن ذلك ما حكاهُ النحَّاسُ أيضاً عن هذا القائل المتقدّم أنه كره أن يُقال: اللَّهمّ أعتقني منَ النَّارِ، قال: لأنه لا يعتق إلا مَن يطلب الثواب.
قلتُ: وهذه الدعوى والاستدلال من أقبح الخطأ وأرذل الجهالة بأحكام الشرع، ولو ذهبتُ أتتبعُ الأحاديثَ الصحيحة المصرّحة بإعتاق الله تعالى مَن شاء من خلقه لطال الكتاب طولاً مُمِلاًّ.
وذلك كحديث " مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً أعْتَقَ اللَّهُ تَعالى بِكُلِّ عُضْو مِنْها عُضْواً مِنْهُ من النار "[أخرجه البخاري:
2517 و6715 ، ومسلم: 84] ".
وينظر: "شرح الأذكار" لابن علان(7/177) . والله الموفق.