الأربعاء، 23 أغسطس 2017


مشروعية صيام العشر من ذي الحجة

عن أم المؤمنين عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: « مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ ». وفي رواية: « لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ ». 
أخرجه مسلم رقم ( 1176 ) 2 / 833.
وترجم ابن حبان -رحمه الله-(3608) له بقوله:" ذكر الإباحة للمرء ترك صوم العشر من ذي الحجة، وإن أمن الضَعْفَ لذلك ".
قال النووي -رحمه الله- في"المجموع"(6/414): " قال العلماء هو متأول على أنها لم تره ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام والباقي عند باقي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أو لعله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم بعضه في بعض الأوقات وكله في بعضها ويتركه في بعضها لعارض سفر أو مرض أو غيرهما وبهذا يجمع بين الأحاديث ". 
وقال -أيضاً- في"شرحه على صحيح مسلم"(8/71) :(  قال العلماء: هذا الحديث مما يُوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أوَّل ذي الحجة. قالوا: وهذا مما يتأول، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي  مستحبة استحباباً شديداً، لا سيما التاسع منها، وهو يوم عرفة،  وقد سبقت الأحاديث في فضله، وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه، يعنى العشر الأوائل من ذي الحجة". فيتأول قولها:"لم يصم العشر" أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت:" كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين من الشهر والخميس" ورواه أبو داود وهذا لفظه، وأحمد والنسائي وفي روايتهما:" وخميسين" والله أعلم ). 
وقال ابن القيم -رحمه الله- في"زاد المعاد"(2/65): " وأما صيام عشر ذي الحجة، فقد اختلف فيه؛ فقالت عائشة: ما رأيته صائما في العشر قط. ذكره مسلم ، وقالت حفصة: أربع لم يكن يدعهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتا الفجر. ذكره الإمام أحمد -رحمه الله-، وذكر الإمام أحمد عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه كان يصوم تسع ذي الحجة ويصوم عاشوراء وثلاثة أيام من الشهر أو الأثنين من الشهر والخميس. وفي لفظ :الخميسين. والمثبت مقدم على النافي إن صح ". 
وقال ابن رجب -رحمه الله- في"اللطائف"(ص262):
"وقد اختلف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث، فأجاب مرة بأنه قد روى خلافه، وذكر حديث حفصة، وأشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث عائشة، فأسنده الأعمش ورواه منصور عن إبراهيم مرسلا ، وكذلك أجاب غيره من العلماء بأنه إذا اختلفت عائشة وحفصة في النفي والإثبات أخذ بقول المثبت؛ لأن معه علما خفي على النافي، وأجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم يصم العشر كاملا، يعني وحفصة أرادت انه كان يصوم غالبه، فينبغي أن يصام بعضه ويفطر بعضه، وهذا الجمع يصح في رواية من روى: ما رأيته صائما العشر. وأما من روى: ما رأيته صائما في العشر. فيبعد أو يتعذر هذا الجمع فيه..".

قلت : وأما حديث حفصة -رضي الله عنها-، وحديث هنيدة بن خالد، فهي معلَّة لايصح شيء منها، ولتفصيل هذا موطن آخر،  والله الموفق.

الأربعاء، 7 يونيو 2017

جواز الدعاء بـ" اللهم اعتق رقابنا من النار".

الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..وبعد:
فقد تناقل بعض الناس في شبكات التواصل قولاً لبعض السلف في كراهة الدعاء بـ"اللهم اعتق رقابنا من النار" وبنوا عليه حكماً بعدم جواز الدعاء بهذا ، ولا ريب أن مازعموه خطأ ناتج عن التعجل في الحكم وعدم جمع ماورد في المسألة والباب وعدم النظر في أقوال العلماء في المسألة، فأقول وبالله التوفيق:

أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب "الْأَضَاحِي" -كما في"الدر المنثور"(1/549)- عَن عَليّ بن أبي طَالب -رضي الله عنه-أَنه قَالَ وَهُوَ بِعَرَفَات:" لَا أدع هَذَا الْموقف مَا وجدت إِلَيْهِ سَبِيلا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الأَرْض يَوْم أَكثر عتقا للرقاب فِيهِ من يَوْم عَرَفَة، فَأَكْثرُوا فِي ذَلِك الْيَوْم من قَول: اللَّهُمَّ اعْتِقْ رقبتي من النَّار وأوسع لي فِي الرزق واصرف عني فسقة الْجِنّ والإِنس فَإِنَّهُ عَامَّة مَا أَدْعُوك بِهِ".

قال الإمام أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله- في"مشكل الآثار"(4/358):
"عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: كَانَ أَبُو وَائِلٍ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: " اللهُمَّ أَعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَعْتِقُ مَنْ يَرْجُو الثَّوَابَ " قَالُوا: وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ.
 وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ الْقَوْلِ بَأْسًا.
 وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا " مَنْ أَعْتَقَ  رَقَبَةً أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ ". فَفِي ذَلِكَ إضَافَةُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَتَاقَ مِنَ النَّارِ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يَنْطَلِقُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوهُ بِهِ، وَبِاللهِ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ " انتهى.

وقال الإمام النووي -رحمه الله- في بيان بعض أغاليط العلماء في كراهة بعض الألفاظ في"الأذكار (ص383):
"ومن ذلك ما حكاهُ النحَّاسُ أيضاً عن هذا القائل المتقدّم أنه كره أن يُقال: اللَّهمّ أعتقني منَ النَّارِ، قال: لأنه لا يعتق إلا مَن يطلب الثواب.
قلتُ: وهذه الدعوى والاستدلال من أقبح الخطأ وأرذل الجهالة بأحكام الشرع، ولو ذهبتُ أتتبعُ الأحاديثَ الصحيحة المصرّحة بإعتاق الله تعالى مَن شاء من خلقه لطال الكتاب طولاً مُمِلاًّ.
وذلك كحديث " مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً أعْتَقَ اللَّهُ تَعالى بِكُلِّ عُضْو مِنْها عُضْواً مِنْهُ من النار "[أخرجه  البخاري: 
2517 و6715 ، ومسلم: 84] ". 
وينظر: "شرح  الأذكار" لابن علان(7/177) . والله الموفق.

الجمعة، 17 فبراير 2017

ضربات استباقية لوزارة الداخلية
دحر الإرهاب في أوكاره

د.خالد بن قاسم الردادي
المدينة النبوية
19/5/1438هـ

الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فلا ريب أن بلادنا –حرسها الله- مغبوطة بتماسك جبهاتها الداخلية ووارف أمنها، مستهدفة من أعداء يكيدون لها ويتربصون بها الدوائر.
ومع كل بيان لوزارة الداخلية حول ضربات الأمن الاستباقية يطمئن أبناء الوطن والمقيمين فيه على أمنهم وسلامتهم، فيما يحدث إفشال وإرباك وإحباط لدى الجماعات الإرهابية التي لم تستطع تنفيذ مخططاتها وأجنداتها التخريبية الانتحارية.
وقبل أمس صرح المتحدث الأمني لوزارة الداخلية أنه امتداد لما تقوم به الجهات الأمنية من خلال متابعتها المستمرة لأنشطة الفئة الضالة، وإحباط مخططاتهم الإرهابية الساعية للنيل من أمن المملكة واستقرارها، ‏فقد تمكنت الجهات الأمنية بتوفيق من الله وفي عمليات استباقية بدأت يوم السبت الموافق 14 / 5 / 1438هـ، ‏من الإطاحة بأربع خلايا عنقودية إرهابية بكل من منطقة (مكة المكرمة - المدينة المنورة - الرياض - القصيم) نشط عناصرها بأدوار إرهابية تخريبية متنوعة كتوفير مأوى للمطلوبين أمنياً ‏واختيار ورصد الاهداف وتمريرها للتنظيم في الخارج، والدعاية والترويج للفكر الضال لتنظيم داعش الارهابي على شبكة الإنترنت، وتجنيد أشخاص لصالح التنظيم والتحريض على المشاركة في القتال بمناطق الصراع، وتوفير الدعم المالي لهم وأنشطتهم الإرهابية، مع امتلاك بعض عناصرها لخبرات في صناعة الأحزمة الناسفة والعبوات المتفجرة وتحضير الخلائط المستخدمة في تصنيعها وتأمينها للانتحاريين وتدريبهم على استخدامها.
وقد بلغ عدد عناصر هذه الخلايا المقبوض عليهم حتى الآن (١٨) ثمانية عشر شخصاً.
إن إعلان وزارة الداخلية حول إحباط العديد من العمليات الإرهابية قبل تنفيذها، ماهي إلا رسالة لكل من تسول له نفسه بأن الحزم مستمر والأمن مستتب بحفظ الله أولاً ثم بدعم قيادة حكيمة وبسالة وتضحيات رجال أمن مجهزين تدريبياً ومزودين بسلاح الإيمان أولاً ثم أحدث أنظمة الأسلحة المتطورة.
وتأتي هذه الضربات الاستباقية لتبين وتؤكد على قوة الجهاز الأمني السعودي المتمثل في وزارة الداخلية، وفشل مخططات تنظيم داعش الإرهابي في المملكة التي ستتلاشي قريباً بفضل من الله ثم بجهود وزارة الداخلية، وبكل تأكيد المفاجأة تشل أركان المنظمات الإرهابية وما حصل في هذه الضربة الاستباقية الموفقة إلا دليل على فشل هذا التنظيم، وأنه تنظيم جبان لن يستطيع –بعون الله- النيل من الوطن في ظل تواجد أمني قوي وتعاون كبير من المواطنين للقضاء على الإرهابيين والمتعاطفين معهم.
وهذه الضربات الاستباقية لرجال الأمن السعودي ليست بجهود جديدة أو حديثة، فمنذ عام 2003م وحتى الساعة حققت وزارة الداخلية جهودًا كبيرة في الضربات الاستباقية وتفكيك العمليات الإرهابية قبل حدوثها، وهذه الاستراتيجية تؤكد بأن الجهات الأمنية استطاعت تضييق الخناق على تنظيم داعش الإرهابي مثله مثل أي تنظيم آخر كالقاعدة، فالاستراتيجية والتقنيات العالية بما فيها من المؤهلات التي يمتلكها رجال الأمن السعودي حدت من آمال التنظيمات الإرهابية.
قدرات فائقة وإمكانيات كبيرة، وتدريب وتطوير مستمر، وإيمان قوي بحرمة بلاد الحرمين الشريفين وأمن سكانها، جميعها مقومات نجاح جعلت من أبطال الأمن السعودي مثالاً بارزاً في مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه وكذلك وأده في جحوره المظلمة قبل أن ينفذ خفافيش الظلام مخططاتهم الإجرامية وتحقيق غاياتهم المتمثلة في محاولة ضرب الوطن في نهضته التنموية والاقتصادية والأمنية وكذلك الاجتماعية وإزهاق الأنفس وإراقة الدماء المعصومة بغير حق.
إن إفشال أجهزتنا الأمنية –ولله الحمد- لـ95% من العمليات الإرهابية قبل تنفيذها والوصول إلى خلايا الشر العنقودية والنائمة جعلت من تجربة المملكة في مكافحة الإرهاب وكشف المخططات الإرهابية قبل تنفيذها تفوقاً غير مسبوق وريادة يسجل للمملكة العربية السعودية، سبقت به دولاً متقدمة عديدة عانت من الإرهاب عقوداً طويلة.
ولا ريب أن سياسة المملكة الموفقة والتي جعلت من المواطن رجل الأمن الأول جعلت الإرهابيين التكفيريين خوارج العصر في عزلة وانقطاع، فضاقت عليهم السبل واتجهوا للصحاري والعزلة عن الناس، خوفاً من الضربات الاستباقية التي يسطرها الأبطال دائماً. المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي بين في آخر إحصائية لوزارة الداخلية أن أكثر من 70% مما تقوم به الداخلية لإفشال المخططات الإرهابية يكون بعد التعاون مع المواطنين، مما يعني الدور المجتمعي المميز والفعال في الحفاظ على الأمن واستشعارهم للأمانة التي يلزمهم بها الدين أولاً ثم الولاء وحب الوطن.
والحمد لله أنه قد فضح أمر هذه الجماعة الضالة المجرمة، فبانت حقيقتها وانكشف زيفها، وأنها لا تريد للدين نصرة، ولا للأمة ظفرًا، بل تريد زعزعة الأمن وترويع الآمنين وقتل المسلمين المحرم قتلهم بالإجماع والسعي في الأرض فسادًا.
ولا ريب أن بلادنا –حرسها الله- مستهدفة من قبل هذه العصابات الإرهابية والتي تسعى لتنفيذ أجندات أجنبية، تهدف لبث الفوضى وتدمير الوحدة الوطنية التي تنعم بها بلادنا –بحمد الله-، بيد أن جنودنا البواسل حملوا أرواحهم على أكفهم ونجحوا –بفضل الله- في ردع المعتدين ودحرهم خائبين خاسرين.

أسأل الله العلي القدير أن يحمي بلادنا ويحفظ ولاة أمرنا ويعينهم ويوفقهم ويسددهم ، وأن يحفظ حدودنا وينصر جنودنا.